للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعَاقِبُهُ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: هَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْقَاضِيَ الْفَاضِلَ الْعَدْلَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ تَنَاوَلَهُ بِالْقَوْلِ، وَآذَاهُ بِأَنْ نَسَبَ إلَيْهِ الظُّلْمَ وَالْجَوْرَ وَمُوَاجِهَةً بِحَضْرَةِ أَهْلِ مَجْلِسِهِ، بِخِلَافِ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ آذَاهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ، لِأَنَّ مَا وَاجَهَهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ، وَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ انْتَهَكَ مَالَهُ فَيُعَاقِبُهُ بِهِ، وَيَتَمَوَّلُ الْمَالَ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يَحْكُمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَطْعُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَدَ الْأَقْطَعِ الَّذِي سَرَقَ عِقْدَ بِنْتِهِ أَسْمَاءَ لَمَّا اعْتَرَفَ بِسَرِقَتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمُوَطَّأِ فَاعْتَرَفَ الْأَقْطَعُ أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ عَلَى الشَّكِّ وَالصَّوَابُ مَا فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ اعْتَرَفَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْإِقْرَارِ فِي مَالِهِ كَمَا يَحْكُمُ بِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ كَانَ أَحْرَى أَنْ يَحْكُمَ بِالْإِقْرَارِ فِي عِرْضِهِ، كَمَا يَحْكُمُ بِهِ فِي عِرْضِ غَيْرِهِ، لِمَا يَتَعَلَّقُ فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الِاجْتِرَاءَ عَلَى الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَتَرْكَ الْمُعَاقَبَةِ فِي مِثْل هَذَا، تَوْهِينٌ لِأَمْرِهِمْ وَدَاعِيَّةٌ إلَى الضَّعْفِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ، وَالْأَحْكَامُ وَالْمُعَاقَبَةُ فِي مِثْلِ هَذَا أَوْلَى مِنْ التَّجَافِي وَالْعَفْوِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ.

فَرْعٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ فَضْلٌ: وَسُئِلَ ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ الْقَاضِي يُشْهِدُ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَى رَجُلٍ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَيُنْكِرُ الشُّهُودُ أَنْ يَكُونُوا شَهِدُوا عِنْدَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: يُرْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْوَالِي أَوْ إلَى قَاضٍ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَاضِي الَّذِي أَشْهَدَ بِالْحُكْمِ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ مَنْ سَمَّى عَدْلًا مَأْمُونًا لَزِمَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ أُبْطِلَ وَابْتَدَأَ فِيهِ الْحُكُومَةَ الَّتِي رُفِعَتْ إلَيْهِ، قَالَ فَضْلٌ وَقَدْ قَالَهُ سَحْنُونٌ أَيْضًا وَزَادَ فَقَالَ: وَلَا شَيْءَ عَلَى الشُّهَدَاءِ مِنْ الْغُرْمِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِالشَّهَادَةِ.

مَسْأَلَةٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ إذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ بِقَضِيَّةٍ فِي دَيْنٍ أَوْ دَارٍ أَوْ فِي حَقٍّ مِنْ جَمِيعِ الْحُقُوقِ، وَذَكَرَ فِي قَضِيَّتِهِ أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ عَجَزَ عَمَّا خَاصَمَ فِيهِ، وَلَمْ يَرَ لَهُ فِي حُجَّتِهِ وَجْهَ حَقٍّ، وَأَنَّهُ قَدْ ضَرَبَ لَهُ الْآجَالَ فَأَنْكَرَ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ خَاصَمَ إلَيْهِ أَوْ سَمِعَ حُجَّتَهُ، فَالْقَضَاءُ لَهُ لَازِمٌ وَلَيْسَ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَدْ خَاصَمَهُ إلَيْهِ، وَرَأْيٌ مُخْتَلِفًا مَعَهُ أَوْ مُتَرَدِّدًا عَلَيْهِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِمَا وَقَعَ فِي الْقَضِيَّةِ وَأَشْهَدَ بِهِ مَقْبُولٌ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا إذَا كَانَ مَأْمُونًا، وَلَمْ يَلْزَمْ بِقَوْلِ الْقَاضِي وَحْدَهُ إذَا أَشْهَدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالَ يَتِيمٍ عِنْدَهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إلَّا بِإِقْرَارٍ مِنْهُ بِذَلِكَ عِنْدَ إشْهَادِ الْقَاضِي بِذَلِكَ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>