للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْقَاضِي وَالشُّهُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ]

فِي الْمُقْنِعِ لِابْنِ بَطَّالٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى آخَرَ عِنْدَ الْقَاضِي، فَقَضَى الْقَاضِي بِالدَّيْنِ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى الطَّالِبِ فَأَغْرَمَهُ، وَكَانَ قَدْ كَتَبَهُ فِي دِيوَانِهِ بِخَطِّ يَدِهِ أَوْ خَطِّ كَاتِبِهِ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهُ، فَقَالَ الشَّاهِدَانِ حِينَ عَلِمَا بِحُكْمِهِ: إنَّمَا شَهِدْنَا بِالْمِائَةِ لِهَذَا عَلَى الْآخَرِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا بَلْ شَهِدْتُمَا لِلْآخَرِ عَلَى هَذَا، فَقَالَ: إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ، فَإِنْ رَجَعَ الْقَاضِي عَنْ قَوْلِهِ وَقَالَ: وَهِمْت أَوْ أَشُكُّ رَجَعَ فَأَخَذَ الْمِائَةَ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ فَرَدَّهَا إلَى الْآخَرِ، وَإِنْ قَالَ: لَا أَشُكُّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِهَا، وَغَرِمَهَا هُوَ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَهُمَا عَدْلَانِ فَيَغْرَمُ الْمِائَةَ الَّتِي أَخْطَأَ فِيهَا، وَالْمِائَةَ الَّتِي كَانَتْ الشَّهَادَةُ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ حَضَرَ الْقَاضِيَ قَوْمٌ عُدُولٌ فَشَهِدُوا بِمِثْلِ مَا قَالَ الْقَاضِي، فَيُرْفَعُ ذَلِكَ إلَى مَنْ فَوْقَهُ فَيَحْكُمُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بِهِ جُلَسَاءُ الْقَاضِي إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَانِ أَعْدَلَ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِجَرْحَتِهِمَا، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ خَصْمٌ.

[فَصْلٌ أَقَرّ عِنْدَ الْقَاضِيَ فَحَكَمَ عَلَيْهِ مُسْتَنِدًا لِإِقْرَارِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ الْإِقْرَار]

فَصْلٌ: فَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِيَ فَحَكَمَ عَلَيْهِ مُسْتَنِدًا لِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ مَضَى ذَلِكَ الْحُكْمُ، وَلَا يُفِيدُ الْخَصْمَ إنْكَارُهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ إذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ حَكَمَ، فَأَنْكَرَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى حُكْمِهِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ وَقَوْلُ ابْنِ الْجَلَّابِ: هُوَ الْأَشْبَهُ فِي قَضَاءِ الْيَوْمِ لِضَعْفِ عَدَالَتِهِمْ.

فَرْعٌ: أَمَّا لَوْ أَنْكَرَ الْخَصْمُ أَنَّهُ أَقَرَّ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَحْكُمُ وَوَافَقَهُ سَحْنُونٌ وَقَالَا: لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ بُلِيَ بِالْقَضَاءِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ هُوَ الْقِيَاسُ، وَلِذَلِكَ جَلَسَ وَلَوْ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ لَتَعَطَّلَتْ أَحْكَامُ النَّاسِ.

تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فَهَلْ يُشْهِدُ بِذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهِ أَوْ لَا؟ قَالَ: أَمَّا مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ قَبْلَ جُلُوسِهِ لِلْحُكْمِ فَيَجُوزُ، وَأَمَّا مَا أُقِرَّ بِهِ عِنْدَهُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>