للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرْعٌ: قَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: فِي الْإِقْرَارِ بِالسَّلَفِ وَقَضَائِهِ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا طَالَ زَمَانُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا وَقْتُهُ قَرِيبٌ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ.

وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ عِنْدَ قَوْمٍ فِي مَسَاقِ حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُمْ، أَوْ شُكْرٍ شَكَرَهُ بِهِ أَحَدٌ فَأَثْنَى عَلَيْهِ بِهِ لِمَا قَدْ مَضَى مِنْ سَلَفٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ، ثُمَّ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: قَدْ أَسْلَفْته كَمَا ذَكَرَ وَلَمْ أَقْبِضْ، وَقَالَ الْآخَرُ: قَدْ قَبَضْته وَإِنَّمَا ذَكَرْت إحْسَانَهُ إلَيَّ وَأَثْبَتُّهُ عَلَيْهِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الْمُقَرُّ بِهِ، إذَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يَشْهَدُوا بِذَلِكَ، فَإِنْ جَهِلُوا أَوْ شَهِدُوا بِذَلِكَ عَلَى جِهَتِهِ وَكَمَا كَانَ سَاقَهُ لَمْ يَجُزْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ، وَهَكَذَا سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا، وَالذَّمُّ كَقَوْلِهِ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِينَارٌ فَأَسَاءَ تَقَاضِي ذَلِكَ، لَا جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَقَدْ دَفَعْته لَهُ، فَقَالَ الْآخَرُ: مَا تَقَاضَيْت مِنْك شَيْئًا، فَإِنَّ الْمُقِرَّ يَغْرَمُ الدِّينَارَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَهُ كَالْمُقِرِّ عَلَى الشُّكْرِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: فِيمَنْ قَالَ لِقَوْمٍ أَسْلَفَنِي فُلَانٌ مِائَةَ دِينَارٍ وَقَضَيْته إيَّاهَا أَنَّهُ مُصَدَّقٌ، وَلَوْ قَالَهَا عِنْدَ سُلْطَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَتِهِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ جَرَّهُ الْحَدِيثُ وَالْإِخْبَارُ عَنْ حَالِ الشُّكْرِ وَالذَّمِّ فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ أَحَدٌ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فِي مَوْضِعِ الْقَضَاءِ وَالِاعْتِذَارِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ السُّلْطَانُ فِي الْجَارِيَةِ وُلِدَتْ مِنِّي، أَوْ الْعَبْدِ مُدَبَّرٌ؛ لِئَلَّا يَأْخُذَهُمَا مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَأَلَهُ ابْنُ عَمِّهِ مَنْزِلًا فَقَالَ: هُوَ لِزَوْجَتِي، ثُمَّ سَأَلَهُ فِيهِ ثَانٍ وَثَالِثٌ مِنْ بَنِي عَمِّهِ وَهُوَ يَقُولُ ذَلِكَ، فَقَامَتْ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: إنَّمَا قُلْته اعْتِذَارًا قَالَ مَالِكٌ لَا شَيْءَ لَهَا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ سُئِلَ أَنْ يُكْرِيَ مَنْزِلَهُ فَقَالَ: هُوَ لِابْنَتِي حَتَّى أُشَاوِرَهَا، فَقَامَتْ الِابْنَةُ فِيهِ قَالَ: لَا يَنْفَعُهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَازَتْ ذَلِكَ وَلَهَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْحِيَازَةِ بَيِّنَةٌ، قِيلَ لَهُ: وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً؟ قَالَ لَيْسَ لَهَا شَيْءٌ قَدْ يَعْتَذِرُ بِهَذَا يُرِيدُ مَنْعَهُ.

مَسْأَلَةٌ: وَفِي وَثَائِقِ الْغَرْنَاطِيِّ: وَمَنْ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ هُوَ لِفُلَانٍ لَمْ يَلْزَمْهُ هَذَا الْإِقْرَارُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَهَبْته أَوْ بِعْته مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَالرَّافِعُ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ ثُمَّ يُعْقِبَهُ بِمَا يُبْطِلُهُ وَيَرْفَعُ حُكْمَهُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: عِنْدِي أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ هِيَ مِنْ ثَمَنِ بُرٍّ فَيَلْزَمُ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>