للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْبَابُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ فِي الْقَضَاءِ بِالْأَشْبَهِ مِنْ قَوْلِ الْخَصْمَيْنِ]

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ بِالِاسْتِحْسَانِ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: فِي بَابِ الزَّمَنِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْعِلْمِ أَغْلَبُ مِنْ الْقِيَاسِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعِلْمِ الِاسْتِحْسَانُ، وَنَبْدَأُ بِالْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ، ثُمَّ نُتْبِعُ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْمَسَائِلِ.

وَفِي كِتَابِ الْجَامِعِ لِأُصُولِ الْفِقْهِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ الْبَصْرِيِّ قَالَ: قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِحْسَانِ وَبَنَى عَلَيْهِ أَبْوَابًا وَمَسَائِلَ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَشَنَّعَ عَلَى الْقَائِلِينَ بِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِنَا بِالِاسْتِحْسَانِ: هُوَ الْقَوْلُ بِأَوْلَى الدَّلِيلَيْنِ، وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْحَادِثَةُ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ أَصْلَيْنِ: وَأَحَدُ الْأَصْلَيْنِ أَقْوَى بِهَا شَبَهًا وَأَقْرَبُ، وَالْأَصْلُ الْآخَرُ أَبْعَدُ إلَّا مَعَ الْقِيَاسِ الْبَعِيدِ الظَّاهِرِيِّ، أَوْ عُرْفٍ جَارٍ أَوْ ضَرْبٍ مِنْ الْمَصْلَحَةِ أَوْ خَوْفِ مَفْسَدَةٍ، أَوْ ضَرْبٍ مِنْ الضَّرَرِ وَالْعُذْرِ، فَيُعْدَلُ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْأَصْلِ الْقَرِيبِ إلَى الْقِيَاسِ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ الْبَعِيدِ، وَهَذَا مِنْ جِنْسِ وُجُوهِ الِاعْتِبَارِ، وَأَتَمُّ طَرِيقَةٍ لِلْقَائِسِينَ كَمَا تَقُولُ: إنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ بَيْعَ الْعَرَايَا بَاطِلٌ، لَكِنْ جَازَ ذَلِكَ لِلسُّنَّةِ، وَكَمَا تَقُولُ: إنَّ الرُّعَافَ وَالْقَيْءَ سَوَاءٌ، وَلَكِنْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِالْبِنَاءِ فِي الرُّعَافِ فَخَصَّصْنَا وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» ، وَقَالَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقَاضِي: قِيسُوا فِي الْقَضَاءِ مَا صَلُحَ النَّاسُ، فَإِذَا فَسَدُوا فَاسْتُحْسِنُوا فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلِمَ سَمَّيْتُمُوهُ اسْتِحْسَانًا؟ وَلَمْ لَا تُسَمُّونَهُ دَلِيلًا؟ قِيلَ: هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَيْنَا فِي التَّسْمِيَةِ، وَلِكُلِّ أَهْلِ صَنْعَةٍ أَنْ يَتَوَاضَعُوا بَيْنَهُمْ تَسْمِيَةً يَصْطَلِحُونَ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا الْعَرَبُ كَأَسْمَاءِ الْأَدَوَاتِ، وَتَسْمِيَةُ أَهْلِ الْفَرَائِضِ وَالنَّحْوِ وَالْفِقْهِ وَالْحِسَابِ، أَسْمَاءٌ لَا تَعْرِفُهَا الْعَرَبُ إلَّا أَنَّ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ وَضَعُوهَا لِيَتَعَارَفُوا فِيهَا بَيْنَهُمْ، أَشْيَاءَ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِنَا مِنْ التَّسْمِيَةِ، وَقَدْ كَشَفْنَا عَنْ مَعْنَاهَا وَهُوَ مَعْنًى مُسَلَّمٌ وَأَكْثَرُ مَا رَدُّوا عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِمْ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنْ الْهَوَى وَاتِّبَاعِهِ، وَأَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَا نَعْلَمُ، وَقَالُوا لَا يَخْلُو الِاسْتِحْسَانُ مِنْ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>