للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَك عَلَيَّ شَيْءٌ يُرِيدُ فِي وَقْتِي هَذَا، وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إذَا قَالَ: مَا أَسْلَفْتنِي وَلَا أَوْدَعْتنِي، فَلَيْسَ مِثْلُ قَوْلِهِ هَذَا مَا لَك عَلَيَّ سَلَفٌ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَ الرُّوَاةِ، إلَّا أَنِّي رَأَيْت فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ السَّمَاعِ شَيْئًا يُخَالِفُ هَذَا، وَأَظُنُّ أَنَّ لَهُ وَجْهًا يَصِحُّ مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ بَعَثَ مَعَهُ رَجُلٌ بِعِشْرِينَ دِينَارًا يُبَلِّغُهَا إلَى الْجَارِ، وَلِلْجَارِ مَوْضِعٌ وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ عِنْدَ دَفْعِهِ إلَيْهِ فَحَمَلَ الْكِتَابَ وَبَلَّغَهُ إلَى مَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ سَأَلَهُ عَنْ الذَّهَبِ فَجَحَدَهُ إيَّاهُ، ثُمَّ إنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَهُ الَّذِي أَرْسَلَ مَعَهُ الذَّهَبَ وَقَالَ لَهُ: إنِّي قَدْ أَشْهَدْت عَلَيْك، فَقَالَ: إنْ كُنْت دَفَعْت إلَيَّ شَيْئًا فَقَدْ ضَاعَ، فَقَالَ مَالِكٌ: مَا أَرَى عَلَيْهِ إلَّا يَمِينَهُ، وَأَرَى هَذَا مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا هُوَ فِي الْجَاهِلِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ أَنَّ الْإِنْكَارَ يَضُرُّهُ، وَأَمَّا الْعَالِمُ الَّذِي يَعْرِفُ أَنَّهُ يَضُرُّهُ ثُمَّ يُقْدِمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا عُذْرَ لَهُ، مِنْ كِتَابِ الرُّعَيْنِيِّ.

فَرْعٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي رَجُلٍ بِيَدِهِ دَارٌ وَهُوَ سَاكِنٌ فِيهَا، فَقَامَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِدَعْوَى فَأَنْكَرَ الَّذِي بِيَدِهِ الدَّارُ أَنْ يَكُونَ عَامَلَ الْمُدَّعِيَ فِي الدَّارِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَادَّعَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَفِي مِلْكِهِ، فَأَثْبَتَ الْمُدَّعِي مِلْكَ الدَّارِ، فَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِكِتَابِ ابْتِيَاعِ الدَّارِ مِنْ الْمُدَّعِي، فَأَجَابَ فِي ذَلِكَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَلِيدٍ، بِأَنَّ إنْكَارَهُ لِمُعَامَلَتِهِ تُسْقِطُ مَا قَامَ بِهِ مِنْ كِتَابِ الِابْتِيَاعِ مِنْ الْمُدَّعِي لِلدَّارِ، وَيَجِبُ أَنْ يَخْرُجَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الدَّارِ وَتُقْفَلُ حَتَّى يَسْتَمِرَّ النَّظَرُ فِيهَا، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْأَصْبَغِ بْنُ سَهْلٍ: قَاسُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدَّيْنِ إذَا أَنْكَرَ مُعَامَلَةَ طَالِبِهِ بِهِ، ثُمَّ أَثْبَتَ دَفْعَهُ إلَيْهِ وَقَضَاءَهُ إيَّاهُ، أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بَعْدَ إنْكَارِهِ الْمُعَامَلَةَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ سَلَفٍ، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَأَمَّا إنْ قَالَ: لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ، فَلَمَّا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِسَلَفٍ أَوْ بِبَيْعٍ جَاءَ بِبَرَاءَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَشُهُودٍ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ ذَلِكَ الْحَقُّ عَنْهُ، وَقَدْ فَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى بَيْنَ الْأُصُولِ وَالدَّيْنِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ سُئِلَ ابْنُ كِنَانَةَ عَمَّنْ ادَّعَى أَرْضًا فِي يَدِ رَجُلٍ، فَقَالَ: مَا لَك عِنْدِي أَرْضٌ وَمَا عَلِمْت لَك أَرْضًا فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا أَرْضُهُ وَأَثْبَتَهَا، ثُمَّ أَقَرَّ الَّذِي هِيَ بِيَدِهِ أَنَّهَا أَرْضُ الطَّالِبِ، وَقَالَ: لَكِنِّي اشْتَرَيْتهَا وَأَثْبَتَ شِرَاءَهَا، فَقَالَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَتَكُونُ لَهُ الْأَرْضُ وَلَا يَضُرُّهُ إنْكَارُهُ أَوَّلًا، لِأَنَّهُ يَقُولُ كَانَ حَوْذِي يَنْفَعُنِي، وَأَضَعُ فِي الْأَرْضِ مَا شِئْت وَلَمْ أُقِرَّ فَيَكُونُ عَلَى الْعَمَلِ وَأَعْنِي نَفْسِي فَذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ كَالدَّيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>