للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ نُعْلِمَك مَكَانَنَا مِنْ الْعِلْمِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَذِهِ مُنَاقَشَةٌ لَيْسَ تَحْتَهَا كَبِيرُ فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ جِهَةِ الْعَوَائِدِ وَشَوَاهِدِ الْحَالِ أَنَّ إحْضَارَ الْخَصْمِ وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ يُغْنِيهِ عَنْ النُّطْقِ بِسُؤَالِ الْقَاضِي، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي اسْتِعْلَامُ مَا عِنْدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ إذْنٍ مِنْ الْمُدَّعِي، لَكِنَّ الْعَادَةَ فِي مِثْلِ هَذَا تَقُومُ مَقَامَ سُؤَالِ الْقَاضِي، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ، وَأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْمُدَّعِي لِلْقَاضِي اسْأَلْهُ لِي الْجَوَابَ اكْتِفَاءً بِشَهَادَةِ الْحَالِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ مُرَادُ الْمُدَّعِي وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ.

وَمِنْهَا أَنَّ الْغَرِيمَ إذَا دَعَا غَرِيمَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ أَدَّبَهُ وَجَرَّحَهُ إنْ كَانَ عَدْلًا، فَإِنْ تَغَيَّبَ شَدَّدَ الْقَاضِي عَلَيْهِ فِي الطَّلَبِ، وَأُجْرَةُ الرَّسُولِ عَلَى الطَّالِبِ، فَإِنْ تَغَيَّبَ الْمَطْلُوبُ وَتَبَيَّنَ لَدَدُهُ فَالْإِجَارَةُ عَلَيْهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ لِلَّخْمِيِّ.

وَقَالَ ابْنُ الْفَخَّارِ: لَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ وَالْمَرْجِعُ عِنْدَهُمْ الْأَوَّلُ اُنْظُرْ " أَحْكَامَ ابْنِ سَهْلٍ ". وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي بَابِ " الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ " عَنْ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ " وَفِي " مُفِيدِ الْحُكَّامِ " لِابْنِ هِشَامٍ. مَنْ اسْتَهَانَ بِدَعْوَةِ الْقَاضِي أَوْ الْحَاكِمِ وَلَمْ يُجِبْ ضُرِبَ أَرْبَعِينَ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي فَإِنْ كَانَتْ مَسْمُوعَةً أَمَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ وَإِنْ كَانَ فِي دَعْوَاهُ طُولٌ أَمَرَهُ بِتَقْيِيدِ مَقَالَتِهِ ثُمَّ يَأْمُرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِرَدِّ الْجَوَابِ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَفْهَمُهَا وَإِلَّا أَنْظَرَهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يَفْهَمُهَا، وَإِنْ كَانَتْ طَوِيلَةً مُشْتَمِلَةً عَلَى فُصُولٍ وَسَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِهَا نُسْخَةً لِيَفْهَمَهَا أُجِيبَ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ أَلْفَاظُهَا يَسِيرَةً مَفْهُومَةً لَمْ يُجَبْ إلَى ذَلِكَ. وَمِنْهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَإِنْ سَأَلَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنْ تُنْسَخَ لَهُ شَهَادَاتُ الشُّهُودِ فَذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَسْأَلَهُمْ وَيُذَكِّرَهُمْ، فَإِنْ ذَكَرُوا مَا ذَكَّرَهُمْ فَعَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَرْجِعُوا وَلَا يَضُرَّ ذَلِكَ شَهَادَتَهُمْ الْأُولَى إلَّا أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ شَيْءٍ فِيهَا فَيُقْبَلُ مِنْهُمْ رُجُوعُهُمْ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهَا (مِنْ رِسَالَةِ الْقَضَاءِ) .

وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُبْرِمُهُ وَيُضْجِرُهُ وَيُحَيِّرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>