للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ، بَلْ هِيَ قَاعِدَةٌ اجْتَهَدَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهَا، فَنَحْنُ نَتْبَعُهُمْ فِيهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ اجْتِهَادٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ إذَا أُطْلِقَ فِيهَا الثَّمَنُ يُحْمَلُ عَلَى غَالِبِ النُّقُودِ فَإِذَا كَانَتْ الْعَادَةُ نَقْدًا مُعَيَّنًا حَمَلْنَا الْإِطْلَاقَ عَلَيْهِ، فَإِذَا انْتَقَلَتْ الْعَادَةُ إلَى غَيْرِهِ عَيْنًا مَا انْتَقَلَتْ الْعَادَةُ إلَيْهِ، وَأَلْغَيْنَا الْأَوَّلَ لِانْتِقَالِ الْعَادَةِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الْإِطْلَاقُ فِي الْوَصَايَا وَالْأَيْمَانِ وَجَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ الْمَحْمُولَةِ عَلَى الْعَوَائِدِ، وَكَذَلِكَ الدَّعَاوَى إذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ، ثُمَّ تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ لَمْ يَبْقَ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِيهِ، بَلْ انْعَكَسَ الْحَالُ فِيهِ، بَلْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَغْيِيرُ الْعَادَةِ، بَلْ لَوْ خَرَجْنَا نَحْنُ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، عَوَائِدُهُمْ عَلَى خِلَافِ عَادَةِ الْبَلَدِ الَّذِي كُنَّا فِيهِ أَفْتَيْنَاهُمْ بِعَادَةِ بَلَدِهِمْ، وَلَمْ نَعْتَبِرْ عَادَةَ الْبَلَدِ الَّذِي كُنَّا فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ مِنْ بَلَدٍ عَادَتُهُ مُضَادَّةٌ لِلْبَلَدِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، لَمْ نُفْتِهِ إلَّا بِعَادَةِ بَلَدِهِ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: إذَا تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي قَبْضِ الصَّدَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ.

قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ هَذِهِ كَانَتْ عَادَتَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَدْخُلُ بِامْرَأَتِهِ حَتَّى تَقْبِضَ جَمِيعَ صَدَاقِهَا، وَالْيَوْمَ عَادَةُ الْمَدِينَةِ خِلَافُ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ، وَانْظُرْ أَوَّلَ الْمُتَيْطِيَّةِ فَإِنَّهُ اسْتَوْفَى الْكَلَامَ فِيهَا، قَالَ. الْقَرَافِيُّ: فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَأَنَا أَسْرُدُ أَحْكَامًا نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ فِيهَا الْعَادَةُ، وَأَنَّ مُسْتَنَدَ الْفُتْيَا بِهَا إنَّمَا هُوَ الْعَادَةُ وَالْوَاقِعُ الْيَوْمَ خِلَافُهُ، فَيَتَعَيَّنُ تَغْيِيرُ الْحُكْمِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْعَادَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ مَعْنَى الْعَادَةِ فِي اللَّفْظِ أَنْ يَغْلِبَ إطْلَاقُ لَفْظٍ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنًى حَتَّى يَصِيرَ هُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَى الذِّهْنِ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مَعَ أَنَّ اللُّغَةَ لَا تَقْتَضِيهِ، فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْعَادَةِ فِي اللَّفْظِ، وَهُوَ الْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ، وَهُوَ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ فِي الْأَغْلَبِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: أَنَّ الْعُرْفَ يُقَدَّمُ عَلَى اللُّغَةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>