للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا تَرَكَ شَيْئًا، وَكَانَ مَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، فَارْتَفَعْنَا إلَى شُرَيْحٍ الْقَاضِي فَاسْتَحْلَفَهُمْ وَخَلَّى سَبِيلَهُمْ، فَدَعَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالشُّرَطِ فَوَكَّلَ بِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ، وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لَا يُمَكِّنُوا بَعْضَهُمْ يَدْنُوَا مِنْ بَعْضٍ، وَلَا يُمَكِّنُوا أَحَدًا يُكَلِّمُهُمْ، وَدَعَا كَاتِبَهُ، وَدَعَا أَحَدَهُمْ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَبِي هَذَا الْفَتَى، فِي أَيِّ يَوْمٍ خَرَجَ مَعَكُمْ، وَفِي أَيِّ مَنْزِلٍ نَزَلَ مَعَكُمْ، وَكَيْفَ كَانَ يَسِيرُ مَعَكُمْ، وَبِأَيِّ عِلَّةٍ مَاتَ، وَكَيْفَ أُصِيبَ بِمَالِهِ، وَسَأَلَهُ عَمَّنْ غَسَّلَهُ وَدَفَنَهُ وَمَنْ تَوَلَّى الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَأَيْنَ دُفِنَ، وَالْكَاتِبُ يَكْتُبُ، ثُمَّ كَبَّرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَبَّرَ الْحَاضِرُونَ مَعَهُ وَالْمُتَّهَمُونَ لَا عِلْمَ لَهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ صَاحِبَهُمْ قَدْ أَقَرَّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ دَعَا آخَرَ بَعْدَ أَنْ غَيَّبَ الْأَوَّلَ عَنْ مَجْلِسِهِ فَسَأَلَهُ كَمَا سَأَلَ صَاحِبَهُ، ثُمَّ غَيَّبَهُ وَطَلَبَ الْآخَرَ وَسَأَلَهُ حَتَّى عَرَفَ مَا عِنْدَ الْجَمِيعِ، فَوَجَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ بِضِدِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَاحِبُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِرَدِّ الْأَوَّلِ فَقَالَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ قَدْ عَرَفْت غَدْرَك وَكَذِبَك بِمَا سَمِعْت مِنْ أَصْحَابِك، وَمَا يُنْجِيك مِنْ الْعُقُوبَةِ إلَّا الصِّدْقُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ إلَى السِّجْنِ، وَكَبَّرَ وَكَبَّرَ الْحَاضِرُونَ بِتَكْبِيرِهِ، فَلَمَّا أَبْصَرَ الْقَوْمُ الْحَالَ لَمْ يَشُكُّوا أَنَّ صَاحِبَهُمْ أَقَرَّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ دَعَا آخَرَ مِنْهُمْ فَهَدَّدَهُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ كُنْت كَارِهًا لِمَا صَنَعُوا، ثُمَّ دَعَا الْجَمِيعَ فَأَقَرُّوا بِالْقِصَّةِ، وَاسْتَدْعَى الْأَوَّلَ وَقِيلَ لَهُ: أَقَرَّ أَصْحَابُك وَلَا يُنْجِيك سِوَى الصِّدْقُ، فَأَقَرَّ بِمِثْلِ مَا أَقَرَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَأَغْرَمَهُمْ الْمَالَ وَأَقَادَ مِنْهُمْ بِالْقَتْلِ، وَهَذَا مِنْ السِّيَاسَةِ الْحَسَنَةِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ تَفْرِيقِ الشُّهُودِ إذَا اسْتَرَابَ الْقَاضِي مِنْهُمْ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ رَجُلًا عَلَى رَأْسِهِ فَادَّعَى الْمَضْرُوبُ أَنَّهُ خَرِسَ، وَرُفِعَتْ الْقَضِيَّةُ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يُخْرَجُ لِسَانُهُ وَيُنْخَسُ اللَّقَطَةَ فَإِنْ خَرَجَ الدَّمُ أَحْمَرَ فَهُوَ صَحِيحُ اللِّسَانِ، وَإِنْ خَرَجَ أَسْوَدَ فَهُوَ أَخْرَسُ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قِيلَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي فِدَاءِ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يُفْدَى مِنْهُمْ مَنْ كَانَتْ جِرَاحُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ دُونَ مَنْ كَانَتْ وَرَاءَهُ فَإِنَّهُ فَارٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>