للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيُّ: مَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ: إنَّ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذِهِ الدَّعَاوَى وَمَا أَشْبَهَهَا يُحَلَّفُ، وَيُرْسَلُ بِلَا حَبْسٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَيْسَ تَحْلِيفُهُ وَإِرْسَالُهُ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ، وَلَوْ حَلَّفْنَا كُلُّ وَاحِدٍ مُتَّهَمٍ وَأَطْلَقْنَا وَخَلَّيْنَا سَبِيلَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِاشْتِهَارِهِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَكَثْرَةِ سَرِقَاتِهِ، وَقُلْنَا: إنَّا لَا نَأْخُذُهُ إلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ، كَانَ الْفِعْلُ مُخَالِفًا لِلسِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّرْعَ تَحْلِيفُهُ وَإِرْسَالُهُ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا مُخَالِفًا لِنُصُوصِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْغَلَطِ الْفَاحِشِ تَجَرَّأَ الْوُلَاةُ عَلَى مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ، وَتَوَهَّمُوا أَنَّ السِّيَاسَةَ الشَّرْعِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَنْ سِيَاسَةِ الْخَلْقِ وَمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ، فَتَعَدَّوْا حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى وَخَرَجُوا مِنْ الشَّرْعِ إلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الظُّلْمِ وَالْبِدَعِ فِي السِّيَاسَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ الْجَهْلُ بِالشَّرِيعَةِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَنْ تَمَسَّكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَنْ يَضِلَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ أَفْعَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَدُلُّ عَلَى عُقُوبَةِ الْمُتَّهَمِ وَحَبْسِهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْمُتَّهَمِينَ يَجُوزُ حَبْسُهُ وَضَرْبُهُ لِمَا قَامَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ.

[مَسْأَلَةٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَّهَمًا]

مَسْأَلَةٌ: وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَّهَمًا فَفِي الْمُوَازِيَةِ عَنْ أَشْهَبَ: يُمْتَحَنُ بِالسِّجْنِ وَالْأَدَبِ، زَادَ ابْنُ سَهْلٍ وَامْتِحَانُهُ بِقَدْرِ مَا اُتُّهِمَ فِيهِ وَعَلَى قَدْرِ حَالِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُجْلَدُ بِالسَّوْطِ مُجَرَّدًا.

وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يُعَذَّبُ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَظَاهِرُهُ نَفْيُ الضَّرْبِ.

وَأَمَّا الْحَبْسُ فَيُسْجَنُ بِقَدْرِ رَأْيِ الْإِمَامِ، وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ، وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يُسْجَنَ حَتَّى يَمُوتَ، يَعْنِي إذَا لَمْ يُقِرُّوا بِهِ، قَالَ اللَّيْثُ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ فِيمَنْ سُرِقَ لَهُ مَتَاعٌ فَاتَّهَمَ رَجُلًا مَعْرُوفًا بِذَلِكَ، لِأَنَّ سَجْنَهُ صَرْفُ أَذَاهُ عَنْ النَّاسِ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ لِتَكَرُّرِهِ مِنْهُ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَإِتْلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>