للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَقَمْعُ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْعُدْوَانِ، وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْعُقُوبَةِ لِلْمُتَّهَمِينَ الْمَعْرُوفِينَ بِالْإِجْرَامِ بِخِلَافِ وِلَايَةِ الْحُكَّامِ، فَإِنَّ مَوْضُوعَهَا إيصَالُ الْحُقُوقِ وَإِثْبَاتُهَا، فَكُلُّ وَالٍ أَمَرَ يَفْعَلُ مَا إلَيْهِ فُوِّضَ. انْتَهَى مِنْ كَلَامِ ابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيِّ، وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ عَنْ مَذْهَبِنَا صَحِيحٌ، فَإِنَّ لِلْقَاضِي ضَرْبَ الْمُتَّهَمِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي فُرُوعِ هَذَا الْبَابِ.

وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ مِنْ ذَلِكَ مَا وَضَّحَ صِحَّةَ نَقْلِهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْوِلَايَاتِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَالِاصْطِلَاحِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ أَنَّ عُمُومَ الْوِلَايَاتِ وَخُصُوصَهَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ، وَأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ مِنْ بَعْضِ الْبِلَادِ وَبَعْضِ الْأَوْقَاتِ، تَتَنَاوَلُ وِلَايَةَ وَالِي الْحَرْبِ وَبِالْعَكْسِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَالِاصْطِلَاحِ وَالتَّنْصِيصِ فِي الْوِلَايَاتِ.

وَكَلَامُ ابْنِ سَهْلٍ وَابْنِ حَبِيبٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِنَا مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ وِلَايَةُ قَضَاءٍ فِي قُطْرٍ آخَرَ تَمْنَعُ مِنْ تَعَاطِي هَذِهِ السِّيَاسَاتِ نَصًّا أَوْ عُرْفًا، فَلَيْسَ لِلْقَاضِي تَعَاطِي ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ دَعْوَى شَرْعِيَّةٌ حُكْمُهَا الِاخْتِبَارُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ، فَلْيُسَوَّغْ لَهُ الْحُكْمُ فِيهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْحُكُومَاتِ.

[الْقِسْمُ الثَّالِثُ الْمُتَّهَمُ مَجْهُولَ الْحَالِ وَالْوَالِي لَا يعرفه بِبِرٍّ وَلَا بِفُجُورٍ]

الْقِسْمُ الثَّالِثُ

أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَجْهُولَ الْحَالِ وَالْوَالِي لَا يَعْرِفُهُ بِبِرٍّ وَلَا بِفُجُورٍ، فَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ تُهْمَةٌ فَهَذَا يُحْبَسُ حَتَّى يَنْكَشِفَ حَالُهُ، هَذَا حُكْمُهُ عِنْدَ عَامَّةِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ، وَالْمَنْصُوصُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَالْوَالِي، وَهُوَ مَنْصُوصٌ لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ.

[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ سُرِقَ مَتَاعُهُ فَاتَّهَمَ بِهِ رَجُلًا مِنْ جِيرَانِهِ]

مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: سَأَلْت مُطَرِّفًا عَنْ رَجُلٍ سُرِقَ مَتَاعُهُ فَاتَّهَمَ بِهِ رَجُلًا مِنْ جِيرَانِهِ، أَوْ رَجُلًا غَرِيبًا لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، أَتَرَى الْإِمَامَ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ وَيَتَبَيَّنَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَرَى ذَلِكَ عَلَى الْإِمَامِ، وَأَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>