للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا تَجَافَى الْحَاكِمُ عَنْ مِثْلِ هَذَا، ذَهَبَتْ الْحُقُوقُ وَاجْتَرَأَ الْمُلِدُّ عَلَى إضْرَارِهِمْ، وَقَالَ لِلْمُدَّعِي: صِفْ ذَلِكَ إنْ كَانَ يُحِيطُ بِمَعْرِفَةِ مَا اسْتَهْلَكَ وَيُغَرَّمُ الْمُتَعَدِّي قِيمَتَهُ عَلَى الصِّفَةِ، وَإِذَا ادَّعَى جَهْلًا فَهُوَ أَعْذَرُ مِنْ الْمُتَعَدِّي، فَإِنْ تَمَادَى التَّجَاهُلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فَأَنْزِلْهُ أَوْسَطَ قِيمَةٍ عَلَى مَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ لِمُعَايَنَةِ الْمَوْضِعِ، وَمَعْرِفَةِ قَدْرِ مَا كَانَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ غَائِبَةً، لِأَنَّهُ إذَا أَخَذْنَا وَسَطَ الْقِيمَةِ فَكَأَنَّ الْعَيْنَ قُوِّمَتْ.

[مَسْأَلَةٌ جَزَاءُ الَّذِينَ قَدْ عُرِفُوا بِالْفَسَادِ وَالْجُرْمِ]

مَسْأَلَةٌ: كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ مُطَرِّفٌ فِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدْ عُرِفُوا بِالْفَسَادِ وَالْجُرْمِ، أَنَّ الضَّرْبَ مَا يُنَكِّلُهُمْ، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ يَحْبِسَهُمْ السُّلْطَانُ فِي السُّجُونِ وَيُثْقِلُهُمْ بِالْحَدِيدِ وَلَا يُخْرِجُهُمْ مِنْهُ أَبَدًا، فَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ وَلِأَهْلَيْهِمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ، حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَةُ أَحَدِهِمْ وَتَثْبُتُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، فَإِذَا صَلُحَ وَظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ أَطْلَقَهُ مِنْ النَّوَادِرِ فِي بَابِ الدَّعَاوَى.

[مَسْأَلَةٌ شُهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْأَذَى لِلنَّاسِ]

مَسْأَلَةٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ: وَإِذَا شُهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْأَذَى لِلنَّاسِ، وَمِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالرَّدَى، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَبُ الْمُوجِعُ وَالْحَبْسُ الطَّوِيلُ، وَيَجِبُ الْإِغْلَاظُ عَلَى أَهْلِ الشَّرِّ وَالْقَمْعُ لَهُمْ وَالْأَخْذُ عَلَى أَيْدِيهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ، وَذَلِكَ بَعْدَ الِاعْتِذَارِ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ لُبَابَةٍ وَابْنُ وَلِيَدٍ.

وَقَالَ بِهِ خَالِدُ بْنُ وَهْبٍ وَقَالَ: يُقَالُ مَنْ لَمْ يَمْنَعْ النَّاسَ مِنْ الظَّالِمِ لَمْ يَحْمِلْهُمْ عَلَى الْحَقِّ

[مَسْأَلَةٌ رُفِعَ لِلْقَاضِي رَجُلٌ يَعْرِفُهُ بِالسَّرِقَةِ وَالدَّعَارَةِ]

مَسْأَلَةٌ: قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِذَا رُفِعَ لِلْقَاضِي رَجُلٌ يَعْرِفُهُ بِالسَّرِقَةِ وَالدَّعَارَةِ، وَادَّعَى ذَلِكَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَحَبَسَهُ لِاخْتِبَارِ ذَلِكَ، فَأُقِرَّ فِي السِّجْنِ بِمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ، وَهَذَا الْحَبْسُ خَارِجٌ عَنْ الْإِكْرَاهِ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: فَلَوْ اعْتَرَفَ بَعْدَ أَنْ مَرَّ عَلَيْهِ شَهْرَانِ فَقَالَ سَحْنُونٌ: يُؤْخَذُ بِاعْتِرَافِهِ، وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ بِاعْتِرَافِهِ، سَوَاءٌ عَيَّنَ الْمُدَّعَى فِيهِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ، وَقِيلَ: إنْ عَيَّنَ الْمُدَّعَى فِيهِ أُخِذَ بِاعْتِرَافِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ مَا يُؤْخَذُ بِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ سَحْنُونٌ بَيْنَ التَّعْيِينِ وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ: لَا يَعْرِفُ هَذَا إلَّا مَنْ يَنْفُوَا بِهِ، يُرِيدُ الْقُضَاةَ وَمَنْ شَابَهَهُمْ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ الْإِكْرَاهَ كَانَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ، وَإِذَا كَانَ مِنْ الْحَقِّ عُقُوبَتُهُ وَسِجْنُهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ حَالِهِ، كَانَ مِنْ الْحَقِّ أَنْ يُؤْخَذَ بِاعْتِرَافِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>