للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرْعٌ: أَمَّا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا قَامِرُ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الْقِمَارِ وَمَعْرُوفٌ بِهِ، أَوْ يَا سَارِقُ وَهُوَ قَدْ أَخَذَ فِي السَّرِقَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَاتُّهِمَ بِهَا وَحُبِسَ فِيهَا فَلَا شَيْءَ عَلَى قَائِلِ ذَلِكَ.

[فَصْلٌ فِي عَفْوِ الْمَقْذُوفِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ]

مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَصْبَغُ سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ عَفْوُ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَ أَنْ يُبَلِّغَ الْإِمَامُ، إلَّا ابْنٌ فِي أَبِيهِ وَاَلَّذِي يُرِيدُ سَتْرًا، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إذَا زَعَمَ الْمَقْذُوفُ أَنَّهُ يُرِيدُ سَتْرًا فَعَفَا، إنْ بَلَّغَ الْإِمَامَ لَمْ يَقْبَلْ الْإِمَامُ ذَلِكَ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ سِرًّا، فَإِنْ خَشِيَ أَنْ يُثْبِتَ الْقَاذِفُ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَجَازَ عَفْوَهُ، وَإِنْ أَمِنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ.

قَالَ أَصْبَغُ: وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ أَبَدًا، بِعَفْوِ الْمَقْذُوفِ إذَا أَرَادَ سَتْرًا إلَّا بِأَمْرٍ لَا يَخْفَى حَتْمًا مِنْ بَيِّنَةٍ قَدْ عُرِفَتْ، أَوْ طَائِفَةٍ قَدْ حَضَرَتْ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ أَحْبَلَ امْرَأَةً غَيْرَ ذَاتِ زَوْجٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَأَمَّا بِالْغَمْزِ وَالتُّهَمِ وَقِيلَ وَقَالَ فَلَا يُعَطَّلُ الْحَدُّ بِذَلِكَ، وَقَدْ يُظَنُّ بِالْمَرْءِ ظُنُونُ السُّوءِ وَهُوَ مِنْهَا بَرِيءٌ، وَأَمَّا الرَّجُلُ يَقْذِفُ ابْنَهُ فَيَرْفَعُهُ إلَى السُّلْطَانِ فَإِنَّ عَفْوَهُ جَائِزٌ، وَإِنْ أَرَادَ سَتْرَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ كَذَلِكَ، كَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: وَكَذَلِكَ عَفْوُ الْوَالِدِ عَنْ وَلَدِهِ فِي الْقَذْفِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ سَتْرًا، قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ عَفْوُهُ عَلَى جَدِّهِ لِأَبِيهِ وَإِنْ بَلَّغَ الْإِمَامَ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي جَدِّهِ لِأُمِّهِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، لِأَنَّ الْجَدَّ لِلْأَبِ يُدْلِي بِالْأَبِ مِنْ الْمُنْتَقَى.

تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَعْنَى مُدَارَاةِ السَّتْرِ: أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ بِوَاقِعِ مَا قِيلَ فِيهِ فَيَجُوزُ وَلَا يُكَلَّفُ ذِكْرَهَا، لِأَنَّ ذِكْرَهُ عَارٌ عَلَى مَنْ ذَكَرَهُ فَلَا يَضْطَرُّ إلَى ذِكْرِهِ، وَعَفْوُهُ مَقْبُولٌ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُخْشَى عَلَيْهِ مُوَاقَعَةُ مَا قِيلَ فِيهِ، فَأَمَّا الْفَاضِلُ الْمَعْرُوفُ بِالْعَفَافِ فَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يُدَاوِي بِعَفْوٍ سَتْرًا عَنْ نَفْسِهِ.

مَسْأَلَةٌ: فِي الْمَقْذُوفِ يُرِيدُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى الْقَاذِفِ كِتَابًا بِذَلِكَ يَقُومُ بِهِ عَلَيْهِ مَتَى شَاءَ، قَالَ أَصْبَغُ: ذَلِكَ لَهُ وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ رَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ، فَقَالَ أَصْبَغُ: سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>