للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَصْبَغُ: وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا ضَرَبَ النَّاسَ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا أَنْ يَضْرِبَهُمْ قُعُودًا، وَيَأْمُرُ الْجَلَّادَ أَنْ لَا يَرْفَعَ يَدَهُ بِالسَّوْطِ جِدًّا وَلَا يُخَفِّفُهَا جِدًّا وَلَكِنْ وَسَطًا مِنْ ذَلِكَ، وَضَرْبُ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا سَوَاءٌ فِي الْإِيجَاعِ، وَإِذَا اُقْتُصَّ لِلنَّاسِ فِي جِرَاحَاتِهِمْ دُعِيَ بِطَبِيبٍ رَفِيقٍ يَقْتَصُّ لَهُمْ وَأُجْرَتُهُ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَهُ، وَيُسْتَحَبُّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَخْتَارَ رَجُلًا عَدْلًا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى أَهْلِهَا، عَارِفًا بِوُجُوهِ ذَلِكَ لِمَا لِلَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ حَقٍّ، ذَكَرَهُ الزَّنَاتِيُّ، فَقَدْ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُقِيمُ الْحُدُودَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي خِلَافَتِهِمَا، وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ إلَّا بِالسَّوْطِ، وَلَا تَكُونُ بِالدِّرَّةِ.

وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ: وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا الْقَضِيبُ وَلَا الدِّرَّةُ وَلَا الشِّرَاكُ مَكَانَ السَّوْطِ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنَّمَا كَانَتْ دِرَّةُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْأَدَبِ، فَإِذَا حَضَرَتْ الْحُدُودُ قَرَّبَ السَّوْطَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: إنَّهُ إنْ ضَرَبَهُ فِي الزِّنَا بِالدِّرَّةِ فِي ظَهْرِهِ أَجْزَاهُ، قَالَ وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ، قَالَ: وَلَا يُعَادُ الْحَدُّ بِالسَّوْطِ إذَا أُقِيمَ بِالدِّرَّةِ، فَقَدْ يَكُونُ مِنْ الدُّرَرِ مَا هُوَ أَوْجَعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ السِّيَاطِ، فَلَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ حَدَّانِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الدِّرَّةُ لَطِيفَةً لَا تُؤْلِمُ وَلَا تُوجِعُ، فَيُعَادُ الْحَدُّ بِالسَّوْطِ.

قَالَ الزَّنَاتِيُّ وَلَا يَعْتَمِدُ بِضَرْبَةٍ مَكَانَ ضَرْبَةٍ قَبْلَهَا بَلْ يُفَرِّقُ عَلَيْهِ الضَّرْبَ، إذْ فِي ذَلِكَ رَاحَةٌ لَهُ، قَالَ: وَقِيلَ: يُفَرِّقُ عَلَى سَائِرِ أَعْضَائِهِ إلَّا الْوَجْهَ وَالْفَرْجَ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ، قَالَ: وَلَا يُشْطَطُ بِالْأَيْدِي وَبِالْأَرْجُلِ وَلَا يُمَدُّ بِحَالٍ وَلَا تُرْبَطُ يَدَاهُ بَلْ تُتْرَكُ لَهُ يَدْفَعُ بِهِمَا عَنْ نَفْسِهِ، هَذَا فِي الْحُدُودِ.

وَأَمَّا الْعُقُوبَاتُ وَالتَّعْزِيرَاتُ فَمَا عَظُمَ مِنْهَا، فَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحُدُودِ مَا خَفَّ مِنْهَا ضُرِبَ صَاحِبُهُ عَلَى ثِيَابِهِ وَفَوْقَ رَأْسِهِ، وَرُبَّمَا كَانَتْ بِحَبْسٍ دُونَ ضَرْبٍ كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَكُونُ السَّوْطُ الَّذِي يُجْلَدُ بِهِ مُتَوَسِّطًا لَا جَدِيدًا وَلَا خَلَقًا وَيَكُونُ قَدْ قُطِعَتْ ثَمَرَتُهُ، وَثَمَرَةُ السَّوْطِ عُقْدَةٌ فِي طَرَفِهِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>