للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: يُسْتَغْفَلُ وَيُصَبُّ عَلَيْهِ ثُمَّ يُكَفَّا الْقَدَحُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَرَاءَهُ، وَأَمَّا دَاخِلَةُ إزَارِهِ فَهُوَ أَطْرَافُ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يُفْضَى مِنْ مِئْزَرِهِ إلَى جِلْدِهِ، قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ: إنَّمَا يَغْسِلُ يَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَلَا يَغْسِلُ مَا بَيْنَ الْيَدِ وَالْمِرْفَقِ.

مَسْأَلَةٌ: وَفِي شَرْحِ الْجَلَّابِ لِلْقَرَافِيِّ: فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْوُضُوءِ قُضِيَ عَلَيْهِ إنْ خُشِيَ عَلَى الْمَعْيُونِ الْهَلَاكُ، وَكَانَ وُضُوءُ الْعَائِنِ يُبْرِئُ عَادَةً وَلَمْ يَزُلْ الْهَلَاكُ عَنْهُ إلَّا بِهَذَا الْوُضُوءِ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إحْيَاءِ النَّفْسِ كَبَذْلِ الطَّعَامِ عِنْدَ الْمَجَاعَةِ، وَقَالَ الزَّنَاتِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ يُجْبَرُ عَلَى الْوُضُوءِ إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ وَأَبَى أَنْ يَفْعَلَهُ بِالْأَدَبِ الْوَجِيعِ حَتَّى يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا يَفْعَلَهُ غَيْرُهُ بِهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ، فَإِنَّ الشِّفَاءَ مَنُوطٌ بِفِعْلِهِ كَمَا أَنَّ الْمَرَضَ النَّازِلَ كَانَ بِسَبَبِهِ، وَلَا يَنْدَفِعُ مَا نَزَلَ بِسَبَبِهِ إلَّا بِفِعْلِهِ.

فَصْلٌ: قَالَ الْبَاجِيُّ: وَقَدْ ذَكَرَ النَّاسُ فِي أَمْرِ الْعَيْنِ وُجُوهًا، أَصَحُّهَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَجْرَى الْعَادَةَ عِنْدَ تَعَجُّبِ النَّاظِرِ مِنْ أَمْرٍ وَنُطْقِهِ، دُونَ أَنْ يُبَرِّكَ أَنْ يَمْرَضَ الْمُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَوْ يَتْلَفُ أَوْ يَتَغَيَّرُ، إلَّا أَنَّ الْعَائِنَ إذَا بَرَّكَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ، بَطَلَ الْمَعْنَى الَّذِي يَخَافُ مِنْ الْعَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ، فَإِنْ لَمْ يُبَرِّكْ وَقَعَ مَا أَجْرَى اللَّهُ بِهِ الْعَادَةَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ يُنَافِي ذَلِكَ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْبَارِئُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْخَالِقُ لِمَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَلَيْسَ فِيهِمَا حَرَكَةٌ وَلَا سُكْنَةٌ وَلَا كَلِمَةٌ وَلَا لَفْظَةٌ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقَهَا فِي الْعَبْدِ وَهُوَ مُقَدِّرُهَا، وَهُوَ تَعَالَى يُرَتِّبُ أَفْعَالَهُ وَيُرَتِّبُ أَسْبَابَهَا وَيُرَتِّبُ الْعَوَائِدَ عَلَى أَسْبَابٍ.

مِثَالُ ذَلِكَ: الْعَيْنُ فَإِنَّ النَّفْسَ إذَا رَأَتْ صُورَةً تَسْتَحْسِنُهَا فَغَلَبَ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَاسْتَوْلَى ذَلِكَ عَلَى الْقَلْبِ، فَإِنْ لَمْ تَنْطِقْ بِحَرْفٍ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ شَيْئًا، وَإِنْ نُطِقَتْ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ الْجَمَالِ، فَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ بِأَنَّهُ إذَا خَلَقَ النُّطْقَ بِالِاسْتِحْسَانِ، وَالتَّعَجُّبِ مِثْلًا مِنْ الْعَائِنِ، خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَدَنِ الْمَعِينِ الْمَرَضَ وَالْهَلَكَةَ عَلَى قَدْرِ مَا يُرِيدُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَلِذَلِكَ نُهِيَ الْعَائِنُ عَنْ الْقَوْلِ وَالْبَارِئُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ فِي حُكْمِهِ الْوُجُودُ بِذَلِكَ، فَقَدْ سَبَقَ مِنْ حِكْمَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>