للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي رِوَايَةٍ بِإِسْنَادِهِ، ثُمَّ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ بَكِّتُوهُ، فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ مَا اتَّقَيْت اللَّهَ؟ مَا خَشِيت اللَّهَ؟ وَمَا اسْتَحْيَيْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ؟ وَهَذَا ثَبَتَ فِيهِ التَّعْزِيرُ بِالْقَوْلِ، وَلَمَّا كَانَ النَّاسُ لَا يَرْتَدِعُونَ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ إلَّا بِالْحُدُودِ وَالْعُقُوبَةِ وَالزَّوَاجِرِ، شُرِعَ ذَلِكَ عَلَى طَبَقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَالْعُقُوبَةُ تَكُونُ عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُقَدَّرٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، وَتَخْتَلِفُ مَقَادِيرُهَا وَأَجْنَاسُهَا وَصِفَاتُهَا بِاخْتِلَافِ الْجَرَائِمِ وَكِبَرِهَا وَصِغَرِهَا، وَبِحَسَبِ حَالِ الْمُجْرِمِ فِي نَفْسِهِ، وَبِحَسَبِ حَالِ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ فِيهِ وَالْقَوْلِ وَقَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ فِي الْعِظَمِ وَالصِّغَرِ، وَحَسَبِ الْجَانِي فِي الشَّرِّ وَعَدَمِهِ.

فَصْلٌ: وَالتَّعْزِيرُ يَكُونُ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ، مِثَالُهُ: مَنْعُ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَعَلَى مَا هُوَ مَشْرُوحٌ فِي بَابِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ: تَرْكُ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَاتِ، مِثْلُ الْوَدَائِعِ وَأَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَغَلَّاتِ الْوُقُوفِ، وَمَا تَحْتَ أَيْدِي الْوُكَلَاءِ وَالْمُقَارِضِينَ وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَالِامْتِنَاعِ مِنْ رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمَظَالِمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى أَرْبَابِهِ، فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الِامْتِنَاعُ مِنْ قَبُولِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَبَاهُ وَلَوْ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ.

تَنْبِيهٌ لَا يَدْخُلُ فِي تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ الْحَجِّ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَأَمَّا تَرْكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>