للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي نَقْضِ الْقَاضِي أَحْكَامَ نَفْسِهِ]

ِ، وَلَهُ ذَلِكَ إنْ ظَهَرَ لَهُ الْخَطَأُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ قَوْلَ قَائِلٍ.

وَفِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ، وَلِلْقَاضِي الرُّجُوعُ عَمَّا حَكَمَ بِهِ وَقَضَى مِمَّا فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمِمَّا تَبَيَّنَ لَهُ فِيهِ الْوَهْمُ مَا دَامَ عَلَى خُطَّتِهِ. فَإِنْ عُزِلَ أَوْ مَاتَ بَعْدَمَا حَكَمَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ فَسْخُ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ مِمَّا فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَإِنْ كَانَ وَجْهًا ضَعِيفًا.

وَفِي (الطُّرَرِ عَلَى التَّهْذِيبِ) لِلطَّنْجِيِّ: إذَا قَضَى الْقَاضِي بِقَضِيَّةٍ فِيهَا اخْتِلَافٌ وَوَافَقَ قَوْلًا شَاذًّا نُقِضَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَاذًّا لَمْ يُنْقَضْ وَمُرَادُهُ بِالشَّاذِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِثْلُ الْقَوْلِ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ سَحْنُونٌ: إذَا قَضَى الْقَاضِي بِقَضِيَّةٍ، وَكَانَ الْحُكْمُ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَلَهُ فِيهِ رَأْيٌ فَحَكَمَ بِغَيْرِهِ سَهْوًا فَلَهُ نَقْضُهُ.

وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَوَجْهُ سَهْوِهِ أَوْ غَلَطِهِ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ قَوْلِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَقَدْ تَشْهَدُ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّ رَأْيَهُ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ حَكَمَ بِهِ سَهْوًا كَمَا تَشْهَدُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ نَقْضُ ذَلِكَ الْحُكْمِ أَيْضًا، وَكَوْنُ ذَلِكَ الْحُكْمِ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَنْسَى مَا كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ، وَإِنْ كَانَ رَأَى بَعْدَ الْحُكْمِ رَأْيًا سِوَاهُ لَمْ يَنْقُضْهُ.

وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ فِي الْقَاضِي يَقْضِي بِالْقَضَاءِ ثُمَّ يَرَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ فَيُرِيدُ الرُّجُوعَ عَنْهُ إلَى مَا رَأَى فَذَلِكَ لَهُ مَا كَانَ عَلَى وِلَايَتِهِ الَّتِي فِيهَا قَضَى بِذَلِكَ الْقَضَاءِ الَّذِي يُرِيدُ الرُّجُوعَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ مِمَّا لَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ لَمْ يَجُزْ لِهَذَا نَقْضُهُ فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ، وَقَالَ لِي أَصْبَغُ مِثْلَهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ. وَأَنَا لَا أَرَى ذَلِكَ، وَقَضَاؤُهُ وَقَضَاءُ غَيْرِهِ عِنْدِي وَاحِدٌ لَا يَرْجِعُ عَمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ، وَلَا إلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ الْأَوَّلُ خَطَأً بَيِّنًا صُرَاحًا، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَوْلِي عَلَى مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ أَيْضًا لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ:، وَلَوْ حَكَمَ قَصْدًا فَظَهَرَ أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِفَسْخِ الْأَوَّلِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ: لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ وَصَوَّبَهُ الْأَئِمَّةُ، يَعْنِي وَصَوَّبَهُ أَئِمَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ قِيَاسًا عَلَى حُكْمِ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ نَقْضُ هَذَا لِرَأْيِهِ الثَّانِي لَكَانَ لَهُ فَسْخُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَلَا يَقِفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>