للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْجُمُعَةُ وَجَبَتْ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُسْقِطَهُ بِإِيجَابِهِ بِنَذْرِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ الْجُمُعَةُ يَخْرُجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتِّ رَكَعَاتٍ فَالْأَرْبَعُ سُنَّةٌ وَالرَّكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَيَمْكُثُ بَعْدَهَا مِقْدَارَ مَا يُصَلِّي أَرْبَعًا فَإِنْ مَكَثَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَتَمَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ لَا يَفْسُدُ وَيُكْرَهُ وَإِنَّمَا لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِاعْتِكَافِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَهُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يُتِمُّهُ فِي مَسْجِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَيَخْرُجُ لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَيْضًا وَلَا يَخْرُجُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَلَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا كَانَ مَعَهَا غَيْرُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازَ الْخُرُوجُ بِمِقْدَارِ الدَّفْنِ وَعَلَى هَذَا إذَا دُعِيَ لِأَدَاءِ شَهَادَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُدَّعِي مَنْ يَقْطَعُ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ غَيْرُهُ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ بِمِقْدَارِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَا يَخْرُج فَإِنْ خَرَجَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ هُوَ الْمُعْتَكِفُ فَصَعِدَ الْمَنَارَةَ لِلْأَذَانِ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ كَانَ بَابُهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ فَخَرَجَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ كُرْهًا فَدَخَلَ مَسْجِدًا آخَرَ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي الْخُرُوجِ فَصَارَ عَفْوًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بَعْدَ الِانْهِدَامِ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُعْتَكِفًا إذْ الْمُعْتَكَفُ مَسْجِدٌ تُصَلِّي فِيهِ الْجَمَاعَةُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي الْمَهْدُومِ فَكَانَ عُذْرًا فِي التَّحَوُّلِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ بَيْتُ صَدِيقٍ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيْتَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْضِيَ إلَى الْبَعِيدِ فَإِنْ مَضَى بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَيَأْكُلُ الْمُعْتَكِفُ وَيَنَامُ فِي مُعْتَكَفِهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْخُرُوجِ

(قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ وَيَبْتَاعَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْضِرَ السِّلْعَةَ) يَعْنِي مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَقُومُ بِحَاجَتِهِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إحْضَارُ السِّلْعَةِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُنَزَّهٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِلتِّجَارَةِ فَمَكْرُوهٌ لَلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَكِفَ أَشَدُّ فِي الْكَرَاهَةِ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَشْغَالُ الدُّنْيَا فِي الْمَسَاجِدِ كَتَحْبِيلِ الْقَعَائِدِ وَالْخِيَاطَةِ وَالنِّسَاجَةِ وَالتَّعْلِيمِ إنْ كَانَ يَعْمَلُهُ بِأُجْرَةٍ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ أَوْ يَعْمَلُهُ لِنَفْسِهِ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَسْجِدِ وَيَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُرَاجِعَ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ) هَذَا يَتَنَاوَلُ الْمُعْتَكِفَ وَغَيْرَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي الْمُعْتَكِفِ أَشَدُّ.

(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لَهُ الصَّمْتُ) يَعْنِي صَمْتًا يَعْتَقِدُهُ عِبَادَةً كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْأُمَمُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فِي شَرِيعَتِنَا أَمَّا الصَّمْتُ عَنْ مَعَاصِي اللِّسَانِ فَمِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ) أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ لِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلٌّ لِلِاعْتِكَافِ وَلَكِنْ لَا يَفْسُدْ صَوْمُهُ إذَا كَانَ نَاسِيًا وَالْفَرْقُ أَنَّ حَالَةَ الِاعْتِكَافِ مُذَكِّرَةٌ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ فِيهِ قِيَاسًا عَلَى الْإِحْرَامِ فَإِنَّ هَيْئَةَ الْمُحْرِمِينَ مُذَكِّرَةٌ وَلَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَنْزَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ حَتَّى أَنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ اعْتِكَافُهَا بِلَيَالِيِهَا) لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَيَّامٍ لِيَحْتَرِزَ مِمَّا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَإِنَّ اللَّيْلَةَ لَا تَدْخُلُ فَإِنَّهُ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَعْتَكِفُ يَوْمَهُ وَيَصُومُهُ وَيَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَإِنْ أَوْجَبَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ يَلْزَمَانِهِ بِلَيْلَتَيْهِمَا وَيَدْخُلُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ غَرُبَتْ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَدْ وَفَّى بِنَذْرِهِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَدْخُلُ اللَّيْلَةَ الْأُولَى لِأَنَّ الْمُثَنَّى غَيْرُ الْجَمْعِ وَفِي دُخُولِ اللَّيْلَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ ضَرُورَةُ الِاتِّصَالِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الْجَمْعِ فَيَلْحَقُ بِهِ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ لِلْمُثَنَّى حُكْمَ الْجَمْعِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا نَوَى اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ دُونَ لَيْلَتَيْهِمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَيَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ لَيْلَةٍ وَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلَوْ أَوْجَبَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّوْمِ وَإِنْ أَوْجَبَ اعْتِكَافَ لَيْلَتَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>