للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُخْتَلِفَيْنِ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ إجْمَاعًا كَمَا إذَا أَطْعَمَ عَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا ظِهَارٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ لَا يَنْوِي إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا جَازَ عَنْهُمَا وَكَذَلِكَ إنْ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا جَازَ وَإِنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَاحِدَةً وَصَامَ شَهْرَيْنِ جَازَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ) .

وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ إحْدَاهُمَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

[كِتَابُ اللِّعَانِ]

لَقَّبَهُ بِاللِّعَانِ دُونَ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْغَضَبُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اللَّعْنَ مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ وَسَابِقٌ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ ثُمَّ اللِّعَانُ شَهَادَاتٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْمَانٌ فِيهَا مَعْنَى الْحَدِّ وَفَائِدَتُهُ إذَا عُزِلَ الْحَاكِمُ بَعْدَ اللِّعَانِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَانْتَقَلُوا إلَى غَيْرِهِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَأْنِفُ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْيَمِينِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُبْنَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (إذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا فَطَالَبَتْهُ بِمُوجِبِ الْقَذْفِ فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا يَا زَانِيَةُ أَوْ أَنْتِ زَنَيْت أَوْ رَأَيْتُك تَزْنِي أَوْ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ الزِّنَا أَوْ لَيْسَ هُوَ مِنِّي يُوجِبُ اللِّعَانَ وَإِنْ قَالَ جُومِعَتْ جِمَاعًا حَرَامًا أَوْ وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ عِنْدَنَا شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: ٦] فَسَمَّاهُمْ شُهَدَاءَ وَاسْتَثْنَاهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الشُّهَدَاءِ وَالِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْجِنْسِ وَقَالَ تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٦] نَصٌّ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ فَقُلْنَا الرُّكْنُ هُوَ الشَّهَادَةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ قَرَنَ الرُّكْنَ فِي جَانِبِهِ بِاللَّعْنِ لَوْ كَانَ كَاذِبًا وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ وَفِي جَانِبِهَا بِالْغَضَبِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا.

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هِيَ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ فِي حَقِّهِ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ وَلَا بُدَّ مِنْ إحْصَانِهَا وَيَجِبُ أَيْضًا بِنَفْيِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَاهُ صَارَ قَاذِفًا لَهَا وَمَتَى سَقَطَ اللِّعَانُ فِي الشَّهَادَةِ إنْ كَانَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ كَانَ مِنْ جَانِبِهَا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَقَوْلُهُ فَطَالَبَتْهُ إنَّمَا شُرِطَ طَلَبُهَا؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا فَلَوْ لَمْ تُطَالِبْهُ وَسَكَتَتْ لَا يَبْطُلُ حَقُّهَا، وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّ طُولَ الْمُدَّةِ لَا يُبْطِلُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا الْقِصَاصَ وَلَا حُقُوقَ الْعِبَادِ وَلَا لِعَانَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْأَمَةِ وَلَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ وَالْكَافِرَةَ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا وَمِنْ شَرَائِطِ اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ غَيْرَ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ وَأَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا صَحِيحًا سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا ثُمَّ قَذَفَهَا لَمْ يَتَلَاعَنَا؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ لَمْ يُصَادِفْ الزَّوْجِيَّةَ كَقَذْفِ الْأَجْنَبِيِّ وَلِأَنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اللِّعَانُ كَقَاذِفِ الصَّغِيرَةِ.

قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مَحْدُودَةً فِي قَذْفٍ أَوْ كَانَتْ قَدْ وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا فِي جَمِيعِ عُمْرِهَا مَرَّةً أَوْ خَرْسَاءَ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ سَقَطَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا وَكَذَا إذَا كَانَا صَبِيَّيْنِ أَوْ مَجْنُونَيْنِ أَوْ أَخْرَسَيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ فَإِنْ كَانَا أَعْمَيَيْنِ أَوْ فَاسِقِينَ يَجِبُ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِمَا وَلِأَنَّ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِيمَا طَرِيقُهُ الِاسْتِفَاضَةُ كَالْمَوْتِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ، وَلَوْ كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ سَقَطَ مِنْ جِهَتِهِ إذْ الْبُدَاءَةُ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً عَفِيفَةً وَكَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ قَذْفَهَا صَحِيحٌ وَقَدْ سَقَطَ اللِّعَانُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَصِحَّ مِنْهُ اللِّعَانُ وَمَتَى كَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ قَذْفُهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالزَّوْجَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا فَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُ لَمْ يَصِحَّ.

وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا مُسْلِمًا عَاقِلًا غَيْرَ مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ أَوْ صَغِيرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ أَوْ زَانِيَةٌ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ قَذْفَهَا لَيْسَ بِقَذْفٍ صَحِيحٍ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً عَفِيفَةً إلَّا أَنَّهَا مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا سَقَطَ اللِّعَانُ لِمَعْنًى مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>