للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَنْظُومَةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ) يَعْنِي بَعْدَ الْقَتْلِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَيُصْلَبُونَ أَحْيَاءً ثُمَّ تُبْعَجُ بُطُونُهُمْ بِالرُّمْحِ إلَى أَنْ يَمُوتُوا) وَكَيْفِيَّةُ الصَّلْبِ أَنْ تُغْرَزَ خَشَبَةٌ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُرْبَطُ عَلَيْهَا خَشَبَةٌ أُخْرَى عَرْضًا فَيَضَعُ قَدَمَيْهِ عَلَيْهَا وَيُرْبَطُ مِنْ أَعْلَاهَا خَشَبَةٌ أُخْرَى وَيُرْبَطُ عَلَيْهَا يَدَيْهِ ثُمَّ يُطْعَنُ بِالرُّمْحِ فِي ثَدْيِهِ الْأَيْسَرِ وَيُخَضْخَضُ بَطْنُهُ بِالرُّمْحِ إلَى أَنْ يَمُوتَ.

وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ فَرُوِيَ أَنَّهُ يُصْلَبُ حَيًّا، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُقْتَلُ أَوَّلًا ثُمَّ يُصْلَبُ بَعْدَ الْقَتْلِ لِأَنَّ الصَّلْبَ حَيًّا مُثْلَةٌ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعْذِيبِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ صَلْبَهُ حَيًّا أَبْلَغُ فِي الرَّدْعِ، وَالزَّجْرِ مِنْ صَلْبِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُصْلَبُونَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ فَإِذَا صُلِبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خُلِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُتْرَكُ عَلَى خَشَبَةٍ حَتَّى يَتَمَزَّقَ جِلْدُهُ حَتَّى يَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ قُلْنَا قَدْ حَصَلَ الِاعْتِبَارُ بِمَا ذَكَرْنَا.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْ الْمُقْطَعِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ بَاشَرَ الْأَخْذَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَإِنْ بَاشَرَهُ الْعُقَلَاءُ الْبَالِغُونَ حُدُّوا وَلَمْ يُحَدَّ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ إذَا بَاشَرُوا فَهُمْ الْمَتْبُوعُونَ، وَالْبَاقُونَ تَبَعٌ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَتْبُوعِ فَسُقُوطُهُ عَنْ التَّبَعِ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِي بَعْضَ الْعِلَّةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ كَالْمُخْطِئِ، وَالْعَامِدِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ لِأَنَّ لِذِي الرَّحِمِ شُبْهَةٌ فِي مَالِ ذِي الرَّحِمِ بِدَلَالَةِ سُقُوطِ الْقَطْعِ عَنْهُ فِي السَّرِقَةِ وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ امْرَأَةٌ إنْ وَلِيَتْ الْقَتْلَ فَقَتَلَتْ وَأَخَذَتْ الْمَالَ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الرِّجَالُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَقْتُلُ الرِّجَالَ وَأَفْعَلُ بِهِمْ مَا أَفْعَلُ بِالْمُحَارِبِينَ وَلَا أَقْتُلُ الْمَرْأَةَ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَقْتُلُهَا إنْ قَتَلَتْ وَأُضَمِّنُهَا الْمَالَ إنْ أَخَذَتْهُ وَلَا أَقْتُلُ الرِّجَالَ وَلَكِنْ أُوجِعُهُمْ ضَرْبًا وَأَحْبِسُهُمْ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ أَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمُخْطِئِ، وَالْعَامِدِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: مَنْ بَاشَرَ وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ لَوْ أَنَّ عَشَرَةً قَطَعُوا الطَّرِيقَ، وَالتِّسْعَةَ مِنْهُمْ قِيَامٌ، وَالْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَقْتُلُ وَيَأْخُذُ الْمَالَ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ فَإِنْ تَابُوا ثُمَّ أُخِذُوا يُقْتَلُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَا غَيْرُ قَوْلُهُ: (وَصَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا) يَعْنِي إنْ شَاءُوا قَتَلُوا مَنْ قَتَلَ وَهُوَ رَجُلٌ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ وَقَدْ قَتَلَ بِحَدِيدٍ أَمَّا إذَا قَتَلَ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي وَلِيَ الْقَتْلَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَا أَخَذَا الْمَالَ ضَمِنَا.

. قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَاشَرَ الْفِعْلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أُجْرِيَ الْحَدُّ عَلَى جَمِيعِهِمْ) يَعْنِي مَنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ مِنْهُمْ وَأَخَذَ الْمَالَ وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَكَانَ رِدْءًا لَهُمْ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كُلِّهِمْ سَوَاءٌ وَمَا لَزِمَ الْمُبَاشِرَ فَهُوَ لَازِمٌ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ مُعِينًا لَهُمْ وَمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَطَلَبَهُ الْإِمَامُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ تَائِبًا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] الْآيَةَ.

وَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>