للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا الْبَطُّ الْكَسْكَرِيُّ فِي حُكْمِ الدَّجَاجِ.

قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ أَكْلُ الضَّبُعِ، وَالضَّبِّ، وَالْحَشَرَاتِ كُلِّهَا) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّبُعِ، وَالضَّبِّ وَقَوْلُهُ، وَالْحَشَرَاتِ كُلِّهَا يَعْنِي الْمَائِيَّ، وَالْبَرِّيَّ كَالضُّفْدَعِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا السُّلَحْفَاةُ لِأَنَّهَا مِنْ الْحَشَرَاتِ وَكَذَا الْفِئْرَانُ، وَالْأَوْزَاغُ، وَالْعَضَّابَة، وَالْقَنَافِذُ، وَالْحَيَّاتُ وَجَمِيعُ الدَّبِيبِ، وَالزَّنَابِيرِ، وَالْعَقَارِبِ، وَالذُّبَابِ، وَالْجُعْلَانِ، وَالْبُرْمَانِ لِأَنَّ هَذِهِ لِأَشْيَاءَ مُسْتَخْبَثَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] وَأَمَّا الْوَبَرُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ مِثْلُ الْأَرْنَبِ لِأَنَّهُ يَعْتَلِفُ الْبُقُولَ، وَالنَّبْتَ وَلَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَجُوزُ أَكْلُ الظِّبَاءِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ، وَالْإِبِلِ وَهُوَ الْوَعْلُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْبِغَالِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَأَمَرَ طَلْحَةَ أَنْ يُنَادِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ» فَأَرَاقُوا الْقُدُورَ وَهِيَ تَغْلِي وَأَمَّا الْبَغْلُ فَهُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحِمَارِ فَكَانَ مِثْلَهُ.

قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِ الْفَرَسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لَا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَأَذِنَ فِي الْخَيْلِ يَوْمَ خَيْبَرَ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: ٨] خَرَجَ مَخْرَجَ الِامْتِنَانِ فَلَوْ جَازَ أَكْلُهَا لَذَكَرَهُ لِأَنَّ النِّعْمَةَ بِالْأَكْلِ أَكْثَرُ مِنْ النِّعْمَةِ بِالرُّكُوبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِبِلَ لَمَّا كَانَتْ تُؤْكَلُ وَتُرْكَبُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ تَعَالَى {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [يس: ٧٢] وَلِأَنَّ الْخَيْلَ آلَةُ إرْهَابِ الْعَدُوِّ فَيُكْرَهُ أَكْلُهَا احْتِرَامًا لَهَا وَلِهَذَا يُضْرَبُ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ فِي الْغَنِيمَةِ وَلِأَنَّ فِي إبَاحَتِهَا تَقْلِيلَ الْجِهَادِ وَأَمَّا لَبَنُهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شُرْبِهِ تَقْلِيلُ الْجِهَادِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْأَرَانِبِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا مِنْ أَكَلَةِ الْجِيَفِ فَأَشْبَهَتْ الظِّبَاءَ.

[مَسْأَلَةٌ حُكْمُ أَكْلِ الْمُتَوَلِّدْ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالْمَاعِزِ]

(مَسْأَلَةٌ) الْكَلْبُ إذَا نَزَا عَلَى مَعْزَةٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا رَأْسُهُ مِثْلُ رَأْسِ الْكَلْبِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ الْأَعْضَاءِ يُشْبِهُ الْمَعْزَ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ إلَيْهِ اللَّحْمُ، وَالْعَلَفُ فَإِنْ تَنَاوَلَ اللَّحْمَ دُونَ الْعَلَفِ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ كَلْبٌ وَإِنْ تَنَاوَلَ الْعَلَفَ دُونَ اللَّحْمِ يُرْمَى بِالرَّأْسِ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ فَإِنْ تَنَاوَلَهُمَا جَمِيعًا يُضْرَبُ فَإِنْ نَبَحَ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ نَعَرَ يُرْمَى بِالرَّأْسِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ وَإِنْ نَبَحَ وَنَعَرَ يُقَرَّبُ إلَيْهِ الْمَاءُ فَإِنْ وَلَغَ فَهُوَ كَلْبٌ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ شَرِبَ يُرْمَى بِالرَّأْسِ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ وَقِيلَ: إنْ خَرَجَ مِنْهُ الْكَرِشُ يُؤْكَلُ مَا سِوَى الرَّأْسِ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ الْأَمْعَاءُ لَا يُؤْكَلُ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا ذُبِحَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَهُرَ لَحْمُهُ وَجِلْدُهُ إلَّا الْآدَمِيُّ، وَالْخِنْزِيرُ فَإِنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهِمَا شَيْئًا) الْآدَمِيُّ لِحُرْمَتِهِ، وَالْخِنْزِيرُ لِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي الدِّبَاغِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ» فَكَمَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ كَذَلِكَ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ بِخِلَافِ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيُّ لِأَنَّ ذَبْحَهُ إمَاتَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّبَاغِ وَكَمَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ يَطْهُرُ شَحْمُهُ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ وَهَلْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ قِيلَ: لَا يَجُوزُ كَالْأَكْلِ وَقِيلَ يَجُوزُ كَالزَّيْتِ إذَا خَالَطَهُ وَدَكُ الْمَيْتَةِ، وَالزَّيْتُ غَالِبٌ لَا يُؤْكَلُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُوجِبِ لِطَهَارَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ هُوَ مُجَرَّدُ الذَّبْحِ أَوْ الذَّبْحُ مَعَ التَّسْمِيَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالذَّبْحِ مَعَ التَّسْمِيَةِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ تَطْهِيرُ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيُّ وَيُكْرَهُ أَكْلُ لُحُومِ الْإِبِلِ الْجَلَّالَةِ وَشُرْبُ لَبَنِهَا وَكَذَا الْبَقَرَةُ، وَالشَّاةُ، وَالْجَلَّالَةُ هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ، وَالنَّجَاسَاتِ لَا غَيْرُ أَمَّا إذَا خَلَطَتْ فَلَيْسَتْ بِجَلَّالَةٍ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي الْأَغْلَبُ مِنْ أَكْلِهَا النَّجَاسَةُ وَلِذَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحَجَّ عَلَيْهَا أَوْ يُغْزَى عَلَيْهَا أَوْ يُنْتَفَعَ بِهَا فِي الْعَمَلِ إلَّا أَنْ تُحْبَسَ أَيَّامًا وَتُعْلَفَ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا تُنْتِنُ فِي نَفْسِهَا فَمَنَعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا حَتَّى لَا تَتَأَذَّى النَّاسُ بِرِيحِهَا وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُؤَقِّتُ فِي حَبْسِهَا وَقْتًا وَإِنَّمَا قَالَ: يَحْبِسُهَا حَتَّى يَطِيبَ لَحْمُهَا وَرُوِيَ أَنَّهَا تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقِيلَ: سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى زَوَالِ النَّتِنِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَيَّامِ وَتَوَقَّفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ثَمَانِ مَسَائِلَ وَلَمْ يُؤَقِّتْ فِيهَا وَقْتًا أَحَدُهَا هَذِهِ مَتَى يَطِيبُ لَحْمُهَا، وَالثَّانِيَةُ الْكَلْبُ مَتَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>