للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَكَى فَارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ أَيْ حَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ إنْ كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْخُشُوعِ فَكَانَ فِي مَعْنَى التَّسْبِيحِ وَالْبُكَاءُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ} [الإسراء: ١٠٩] أَيْ يَخِرُّونَ سُجُودًا عَلَى الْوُجُوهِ يَكُونُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذْقَانِ الْوُجُوهُ «وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَيُسْمَعُ لِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنْ الْبُكَاءِ» وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ كُنْت أُصَلِّي خَلْفَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَاةَ الصُّبْحِ وَكَانَ يَقْرَأُ سُورَةَ يُوسُفَ حَتَّى إذَا بَلَغَ قَالَ إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ سَمِعْت نَشِيجَهُ وَأَنَا آخِرَ الصُّفُوفِ، الْأَزِيزُ غَلَيَانُ الْقِدْرِ وَالْمِرْجَلُ الْقِدْرُ وَإِنْ كَانَ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ قَطَعَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْجَزَعِ وَالتَّأَسُّفِ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَنِينُ مِنْ الْوَجَعِ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَإِلَّا فَلَا.

وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ الْمَرَضُ خَفِيفًا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ نَفَخَ التُّرَابَ عَنْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مَسْمُوعٍ لَا يُفْسِدُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا أَفْسَدَ عِنْدَهُمَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُفْسِدُ وَإِنْ تَنَحْنَحَ لِغَيْرِ عُذْرٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَحَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ نَحْوَ أَخْ أَخْ بِالْفَتْحِ أَوْ الضَّمِّ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ مُضْطَرًّا بِأَنْ اجْتَمَعَ الْبَلْغَمُ فِي حَلْقِهِ فَهُوَ عَفْوٌ كَالْعُطَاسِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ.

وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا تَنَحْنَحَ لِإِصْلَاحِ الْقِرَاءَةِ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَإِنْ قَبَّلَتْ الْمُصَلِّي امْرَأَتُهُ وَلَمْ يُقَبِّلْهَا هُوَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَبَّلَهَا هُوَ فَسَدَتْ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ هِيَ تُصَلِّي فَقَبَّلَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَضُّؤِ لِيَأْتِيَ بِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا يُنَافِي الصَّلَاةَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْبِنَاءُ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْإِمَامُ إذَا قَهْقَهَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا وَخَلْفَهُ لَاحِقُونَ وَمَسْبُوقُونَ فَهَذَا عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ الْقَهْقَهَةُ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ وَالسَّلَامُ وَالْكَلَامُ وَالْقِيَامُ فَفِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا صَلَاةُ الْكُلِّ تَامَّةٌ فِي السَّلَامِ وَالْقِيَامِ وَالْكَلَامِ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الْقَهْقَهَةُ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ هُوَ بِمِثْلِ حَالِهِ تَامَّةٌ وَأَمَّا صَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ فَفَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ مُفْسِدَةٌ لِلْجُزْءِ الَّذِي تُلَاقِيهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدُ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ بِخِلَافِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْإِمَامِ لِوُجُودِ الْقَهْقَهَةِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُمَا لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي بِنَاءً عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ جَوَازًا وَفَسَادًا وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَكَذَا صَلَاتُهُمْ فَصَارَ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ، وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ قَهْقَهَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا فَإِنَّ الْقَوْمَ يَذْهَبُونَ مِنْ غَيْرِ سَلَامٍ وَإِنْ سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُسَلِّمُوا؛ لِأَنَّ السَّلَامَ وَالْكَلَامَ مَنْهِيَّانِ وَالْقَهْقَهَةَ وَالْحَدَثَ مُفْسِدَانِ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ) وَكَذَا إذَا عَلِمَ بِأَنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِقُرْبِ الْمَاءِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَسْبِقْهُ الْحَدَثُ أَمَّا إذَا سَبَقَهُ فَانْصَرَفَ لِيَتَوَضَّأَ فَوَجَدَ الْمَاءَ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ يَسْتَقْبِلُ وَلَا يَبْنِي، وَقَوْلُهُ بَطَلَتْ هَذَا إذَا كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا أَوْ كَانَ مَعَ أَخِيهِ أَوْ صَدِيقِهِ أَمَّا لَوْ رَآهُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ لَا تَبْطُلُ وَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ وَطَلَبَهُ فَأَعْطَاهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَاسْتَأْنَفَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ فَهُوَ عَلَى تَيَمُّمِهِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ رَآهُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ كَانَ مَاسِحًا فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ إلَى آخِرِهِ) الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهَا فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الْخُرُوجُ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَاعْتِرَاضِهَا بَعْدَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَكَانَ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِفِعْلٍ هُوَ قُرْبَةٌ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا تَأَدَّى بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُقَالَ إنَّ فُرُوضَ الصَّلَاةِ تَتَأَدَّى بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْقَهْقَهَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَهَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ إلَّا بِصُنْعِهِ كَالْحَجِّ؛ وَلِأَنَّهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَوْ أَرَادَ اسْتِدَامَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>