للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ هُوَ الظُّهْرُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الدَّلِيلِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ» وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ هَذَا الْيَوْمِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِهِ بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى التَّكْلِيفِ عَلَى التَّمَكُّنِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ بِنَفْسِهِ دُونَ الْجُمُعَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى شَرَائِطَ لَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ وَعَلَى التَّمَكُّنِ بِدُونِ التَّكْلِيفِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا فَاتَ الْوَقْتُ قَضَى الظُّهْرَ دُونَ الْجُمُعَةِ فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ هُوَ الظُّهْرُ وَقَدْ أَدَّاهُ فِي وَقْتِهِ أَجْزَأَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الظُّهْرُ وَقَدْ أُمِرَ بِإِسْقَاطِهِ بِالْجُمُعَةِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أَدْرِي مَا أَصْلُ فَرْضِ الْوَقْتِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ بِأَدَاءِ الظُّهْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ يَعْنِي أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِفِعْلِهِ وَفَائِدَتِهِ إذَا أَحْرَمَ لِلْجُمُعَةِ بِنِيَّةِ فَرْضِ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ هُوَ الظُّهْرُ وَلَا تَتَأَدَّى الْجُمُعَةُ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ الْجُمُعَةُ عِنْدَهُ وَقَدْ نَوَاهَا.

وَقَوْلُهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ قُيِّدَ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يُجْزِئُهُ الظُّهْرُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَوْلُهُ وَلَا عُذْرَ بِهِ فَلَوْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ شَهِدَ الْجُمُعَةَ كَانَتْ الْجُمُعَةُ فَرْضَهُ عِنْدَنَا وَانْقَلَبَ ظُهْرُهُ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا شَهِدَهَا فَهُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ.

وَقَالَ زُفَرُ فَرْضُهُ الظُّهْرُ وَلَمْ يَنْفَسِخْ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ الظُّهْرُ مَوْقِعَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ وَفَائِدَتُهُ إذَا صَلَّى الْمَعْذُورُ أَوْ الْعَبْدُ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ دَخَلَ فِي الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ فَعِنْدَنَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ ظُهْرَهُ الْأَوَّلَ انْقَلَبَتْ نَفْلًا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْيَوْمَ فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ وَفِي سَائِرِهَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ صَلَّاهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ كَانَ فَرْضُهُ مَا أَدَّاهُ فِي بَيْتِهِ كَذَا هَذَا لَكِنَّا نَقُولُ الْجُمُعَةُ أَقْوَى مِنْ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا لَا يُشْتَرَطُ لِلظُّهْرِ وَلَا يَظْهَرُ الضَّعِيفُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ فَتَوَجَّهَ إلَيْهَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالسَّعْيِ) فَإِنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا أَعَادَ الظُّهْرَ، وَالْعَبْدُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ فِي الِانْتِقَاضِ بِالسَّعْيِ كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَهَذَا إذَا سَعَى إلَيْهَا وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَمَّا إذَا سَعَى إلَيْهَا وَقَدْ صَلَّاهَا الْإِمَامُ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ.

وَفِي النِّهَايَةِ إذَا سَعَى قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْجُو إدْرَاكَهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ لَمْ يَبْطُلْ ظُهْرُهُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَيَبْطُلْ عِنْدَ الْبَلْخِيِّينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُصَلِّهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ اخْتَلَفُوا فِي بُطْلَانِ ظُهْرِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ وَفَرَاغُ الْإِمَامِ مَعًا لَمْ يَبْطُلْ ظُهْرُهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ صَلَّى بِجَمَاعَةٍ وَتَوَجَّهَ إلَيْهَا بَطَلَتْ الظُّهْرُ فِي حَقِّهِ وَلَمْ تَبْطُلْ فِي حَقِّهِمْ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِتْمَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِارْتِفَاضِ الظُّهْرِ عِنْدَهُمَا وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُرْتَفَضُ ظُهْرُهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْجُمُعَةَ كُلَّهَا وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَا: لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقُولَا حَتَّى يُكْمِلَهَا مَعَ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الرُّسْتَاقِيِّ إذَا سَعَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى الْمِصْرِ يُرِيدُ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ وَإِقَامَةَ حَوَائِجِهِ وَمُعْظَمُ مَقْصُودِهِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ يَنَالُ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ مُعْظَمُ قَصْدِهِ إقَامَةَ حَوَائِجِهِ لَا يَنَالُ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ.

(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَعْذُورُونَ الظُّهْرَ فِي جَمَاعَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتَدِي بِهِمْ غَيْرُهُمْ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا أَهْلُ السِّجْنِ) قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ مَرِيضٌ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِآذَانٍ وَإِقَامَةٍ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ حَسَنٌ وَكَذَا جَمَاعَةُ الْمَرْضَى بِخِلَافِ أَهْلِ السِّجْنِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَرْضَى عَاجِزُونَ بِخِلَافِ الْمَسْجُونِينَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا ظَلَمَةً قَدَرُوا عَلَى إرْضَاءِ الْخُصُومِ وَإِنْ كَانُوا مَظْلُومِينَ أَمْكَنَهُمْ الِاسْتِغَاثَةُ وَكَانَ عَلَيْهِمْ حُضُورُ الْجُمُعَةِ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى مَعَهُ مَا أَدْرَكَ وَبَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ) فَإِذَا قَامَ هَذَا الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَائِهِ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَإِنْ شَاءَ خَافَتْ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>