للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالِاسْتِخْرَاجُ الْقِيَاسُ كَقِيَاسِ حَدِّ الْخَمْرِ عَلَى الْقَذْفِ (وَإِذَا اخْتَلَفُوا) أَيْ الْمُجْتَهِدُونَ (فِي الْفُرُوعِ وَالْحَوَادِثِ) أَيْ النَّوَازِلُ (لَمْ يَخْرُجْ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةُ لِأَنَّ إجْمَاعَهُمْ حُجَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَتَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ.

ثُمَّ خَتَمَ كِتَابَهُ بِحَمْدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقَالَ: (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا) أَيْ وَفَّقَنَا (لِ) تَأْلِيفِ (هَذَا) الْكِتَابِ

ــ

[حاشية العدوي]

[قَوْلُهُ: فِي الْفُرُوعِ] احْتِرَازًا مِنْ أُصُولِ الدِّينِ فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا جَمْعُ فَرْعٍ وَهُوَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُتَعَلِّقُ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ قَلْبِيٍّ كَالنِّيَّةِ أَوْ غَيْرِ قَلْبِيٍّ كَالْوُضُوءِ.

[قَوْلُهُ: وَالْحَوَادِثِ] أَيْ وَفِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ أَيْ النَّوَازِلِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، [قَوْلُهُ: جَمَاعَتُهُمْ] إضَافَةُ جَمَاعَةٍ لِلضَّمِيرِ لِلْبَيَانِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ الصَّحَابَةُ] لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ فَإِذَا كَانَ لِلْمُجْتَهِدِ قَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يُحْدِثَ ثَالِثًا، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ جَازَ لِأَحَدِ الصَّحَابَةِ أَنْ يُحْدِثَ ثَالِثًا، فَإِذَا انْقَرَضَ عَصْرُ الصَّحَابَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَلَيْسَ لِلتَّابِعَيْنِ إحْدَاثُ ثَالِثٍ وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَ التَّابِعُونَ جَازَ لِلتَّابِعَيْنِ إحْدَاثُ ثَالِثٍ دُونَ تَابِعِ التَّابِعِينَ، وَهَكَذَا لِمَا فِي الْخُرُوجِ عَنْ اتِّبَاعِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ.

تَنْبِيهٌ:

قَدْ عَلِمْت أَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ مِنْ الصَّحْبِ فَمَنْ دُونَهُ يُقَلِّدُهُ الْعَامِّيُّ لَا الْمُجْتَهِدُ إنَّمَا هُوَ عَلَى فَرْضِ مَعْرِفَةِ مَذَاهِبِهِمْ بِشُرُوطِهَا وَإِلَّا فَمَعْرِفَةُ مَذَاهِبِهِمْ الْآنَ مُتَعَذَّرَةٌ فَالْوَاجِبُ الْآنَ تَقْلِيدُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْهُمْ.

[خَاتِمَة الْكتاب]

[قَوْلُهُ: ثُمَّ خَتَمَ كِتَابَهُ بِحَمْدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ] أَيْ وَمَا لَحِقَهُ مِنْ قَوْلِهِ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَرَادَ بِحَمْدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَيْ فِي الْجَنَّةِ عَلَى طَرِيقِ الِاقْتِبَاسِ مِنْ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَالِاقْتِبَاسُ أَنْ يُضَمِّنَ الْكَلَامَ نَظْمًا كَانَ أَوْ نَثْرًا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ الْحَدِيثِ لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ أَيْ لَا عَلَى طَرِيقَةِ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ الْحَدِيثِ، يَعْنِي عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ مِنْهُ كَمَا يُقَالُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا أَوْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ اقْتِبَاسًا.

ثُمَّ إنَّ الِاقْتِبَاسَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَا لَمْ يُنْقَلْ فِي الْمُقْتَبِسِ عَنْ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ كَقَوْلِ الْحَرِيرِيِّ فِي صُوفِيٍّ فَلَمْ يَكُنْ إلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ حَتَّى أَنْشَدَ فَأَغْرَبَ وَكَقَوْلِ الْآخَرِ:

إنْ كُنْت أَزْمَعْت عَلَى هَجْرِنَا ... مِنْ غَيْرِ مَا جُرْمٍ فَصَبْرٌ جَمِيلُ

وَإِنْ تَبَدَّلْت بِنَا غَيْرَنَا ... فَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعَمَ الْوَكِيلُ

ثَانِيهِمَا مَا نُقِلَ عَنْ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ كَقَوْلِ ابْنِ الرُّومِيِّ:

لَئِنْ أَخْطَأْت فِي مَدْحِيِّك ... مَا أَخْطَأْت فِي مَنْعِي

لَقَدْ أَنْزَلْت حَاجَاتِي ... بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعِ

هَذَا مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم: ٣٧] لَكِنَّ مَعْنَاهُ فِي الْقُرْآنِ وَادٍ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَا نَبَاتَ، وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الرُّومِيِّ إلَى جَنَابٍ لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا نَفْعَ، وَكَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى هَذَا الْفَوْزِ الْعَظِيمِ وَهُوَ الْإِيمَانُ وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ، وَمَعْنَاهُ هُنَا مَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِتَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ. . . إلَخْ.

[قَوْلُهُ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. . . إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ابْتَدَأَ الْإِنْسَانَ بِنِعْمَتِهِ إمَّا لِكَوْنِهِمَا خَبَرِيَّتَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى أَوْ إنْشَائِيَّتَيْنِ مَعْنًى خَبَرِيَّتَيْنِ لَفْظًا وَبَيْنَهُمَا تَغَايُرٌ مِنْ حَيْثُ صِلَةِ الْمَوْصُولِ مَعَ وُجُودِ الْجَامِعِ بَيْنَ الصِّلَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَضْمُونَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَصْفٌ مَحْمُودٌ عَلَيْهِ فَبَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ التَّوَسُّطُ بَيْنَ كَمَالِ الِانْقِطَاعِ وَكَمَالِ الِاتِّصَالِ، فَلِذَلِكَ أَتَى بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>