للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٢٢ - بَابٌ فِي الصِّيَامِ] (بَابٌ فِي) بَيَانِ حُكْمِ (الصِّيَامِ)

وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَالتَّرْكُ، فَمَنْ أَمْسَكَ عَنْ شَيْءٍ مَا وَتَرَكَهُ قِيلَ لَهُ صَائِمٌ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: ٢٦] أَيْ صَمْتًا وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْكَلَامِ، وَشَرْعًا الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَيَّامِ الْأَعْيَادِ، وَالصَّوْمُ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ يَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ وَغَيْرِهِ، وَمِنْ الْوَاجِبِ صَوْمُ رَمَضَانَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ) أَخْبَرَ بِالْمُؤَنَّثِ عَنْ الْمُذَكَّرِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مَصْدَرٌ يُخْبَرُ عَنْهُ بِالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ. وَلِوُجُوبِهِ شُرُوطٌ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا، دَلَّ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَ صَوْمِ رَمَضَانَ فَهُوَ كَافِرٌ إجْمَاعًا يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَمَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهِ وَامْتَنَعَ مِنْ صَوْمِهِ فَهُوَ عَاصٍ يُجْبَرُ عَلَى فِعْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَ حَدًّا كَالصَّلَاةِ.

وَيَثْبُتُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ إمَّا بِإِتْمَامِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَإِمَّا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (يُصَامُ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ) يَعْنِي هِلَالَ رَمَضَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ مُسْتَفِيضَةً أَوْ

ــ

[حاشية العدوي]

[بَابٌ فِي الصِّيَامِ]

بَابُ الصِّيَامِ فَإِنْ قُلْت الَّذِي فِي حَدِيثِ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» تَقْدِيمُ الزَّكَاةِ عَلَى الصَّوْمِ فَلِمَ خَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ؟ قُلْت: لَعَلَّهُ رَأَى عُمُومَ الصَّوْمِ وَشُمُولَهُ لِغَالِبِ الْمُكَلَّفِينَ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ.

[قَوْلُهُ: فِي حُكْمِ الصِّيَامِ] أَيْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصِّيَامِ.

وَقَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْ بِالصِّيَامِ أَيْ يَرْتَبِطُ بِهِ أَيْ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ.

[قَوْلُهُ: وَالتَّرْكُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ.

[قَوْلُهُ: الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ إلَخْ] أَيْ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا فَيَقُومُ مَقَامَ شَهْوَةِ الْبَطْنِ الْحَلْقُ وَيَقُومُ مَقَامَ شَهْوَةِ الْفَرْجِ الْقُبْلَةُ تَأَمَّلْ.

[قَوْلُهُ: وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ] الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ رَمَضَانَ غَيْرَ مُضَافٍ لِلشَّهْرِ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةً عَلَى الشَّهْرِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ، وَسُمِّيَ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ يَرْمَضُ الذُّنُوبَ أَيْ يَحْرِقُهَا.

[قَوْلُهُ: يُخْبَرُ عَنْهُ بِالْمُذَكَّرِ إلَخْ] إنْ كَانَ مَسْمُوعًا مَنْقُولًا فَمُسَلَّمٌ وَإِلَّا فَالْإِخْبَارُ عَنْهُ بِالْمُؤَنَّثِ، إنَّمَا يَظْهَرُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ عِبَادَةً لَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَصْدَرًا.

[قَوْلُهُ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ] أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] .

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَحَدِيثُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ إلَى قَوْلِهِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ» .

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ.

[قَوْلُهُ: قُتِلَ حَدًّا] أَيْ بَعْدَ أَنْ يُؤَخَّرَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِ نِيَّتِهِ قَدْرُ مَا يَسَعُهَا.

وَقَوْلُنَا مِنْ وَقْتِ نِيَّتِهِ يَدْخُلُ فِيهِ مُصَاحَبَةُ الْفَجْرِ فَإِنَّ وَقْتَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَمَعَهُ أَيْضًا، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْفَجْرِ وَطُلِبَ مِنْهُ وَلَمْ يَنْوِ مَعَهُ قُتِلَ وَلَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طُلِبَتْ مِنْهُ الصَّلَاةُ قَالَهُ عج فِي حَاشِيَتِهِ، وَكَتَبَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ عَلَيَّ وَلَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَخْ.

ظَاهِرُهُ بَقِيَّةُ النَّهَارِ فَإِنْ مَضَى النَّهَارُ فَهَلْ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْفَائِتَةِ أَوْ يُقْتَلُ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقْتَلُ.

[قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>