للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاعْتِكَافُ. ق: وَانْظُرْ هَلْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ إمَامَ الْمَسْجِدِ) أَنَّ تَرْكَهُ أَحْسَنُ أَوْ أَشَارَ بِهِ إلَى مَنْ يَقُولُ: لَا يَكُونُ إمَامَ الْمَسْجِدِ أَوْ إنَّمَا أَخْبَرَ بِالْجَوَازِ.

قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: إنَّمَا أَخْبَرَ بِالْجَوَازِ انْتَهَى. وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى كَرَاهَةِ كَوْنِهِ إمَامًا رَاتِبًا. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا صَحَّ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ وَهُوَ الْإِمَامُ» .

(وَلَهُ) أَيْ وَيُبَاحُ لِلْمُعْتَكِفِ (أَنْ يَتَزَوَّجَ) بِمَعْنَى يَعْقِدَ لِنَفْسِهِ (أَوْ يَعْقِدَ نِكَاحَ غَيْرِهِ) وَقَيَّدَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنْ يَغْشَاهُ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِأَنْ لَا يُطَوِّلَ التَّشَاغُلَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ زَوْجًا أَوْ وَلِيًّا، فَإِنْ قِيلَ: الْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْتَكِفِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي عِبَادَةٍ يُمْنَعُ فِيهَا الْوَطْءُ؟ أُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ عَقْدِ النِّكَاحِ لِكُلِّ أَحَدٍ خَرَجَ الْمُحْرِمِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكِحُ» وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ.

ثُمَّ خَتَمَ الْبَابَ بِبَيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ مِنْ اعْتِكَافِهِ فَقَالَ: (وَمَنْ اعْتَكَفَ أَوَّلَ الشَّهْرِ) يَعْنِي أَوَّلَ شَهْرٍ مِنْ الشُّهُورِ غَيْرَ رَمَضَانَ أَوْ وَسَطَهُ (خَرَجَ) بِمَعْنَى جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ (مِنْ اعْتِكَافِهِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِهِ) أَيْ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ اعْتِكَافِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ مُكْثَ اللَّيْلَةِ الَّتِي هِيَ آخِرُ أَيَّامِ الِاعْتِكَافِ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «فَلَمَّا

ــ

[حاشية العدوي]

فِي الْخُرُوجِ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ تَرْكَهُ أَحْسَنُ] أَيْ فَيُكْرَهُ كَوْنُهُ إمَامًا لِلْمَسْجِدِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِلْمُخْتَصَرِ النَّاصِّ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِيَكُونُ، وَإِضَافَةُ إمَامِ الْمَسْجِدِ يُفِيدُ أَنَّهُ رَاتِبٌ.

[قَوْلُهُ: أَوْ أَشَارَ بِهِ إلَى مَنْ يَقُولُ لَا يَكُونُ إلَخْ] أَيْ أَشَارَ بِهِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ لَا يَكُونُ إمَامَ الْمَسْجِدِ، فَقَدْ حَكَى ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ سَحْنُونَ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ لِلْمُعْتَكِفِ الْإِمَامَةُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، أَيْ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إمَامَ الْمَسْجِدِ جَوَازًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ نَاجِي حَيْثُ قَالَ: لَا بَأْسَ هُنَا لِمَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ أَوْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ رَاتِبًا فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِالْجَوَازِ أَيْ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ الرَّدَّ فَغَايَرَ مَا قَبْلَهُ، ثُمَّ إنْ حُمِلَ الْجَوَازُ عَلَى الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَافَقَ ابْنَ نَاجِي، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ وَافَقَ الْمُعْتَمَدَ.

وَقَوْلُهُ: قَالَ أَبُو عِمْرَانَ إلَخْ تَأْيِيدٌ لِلِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ.

[قَوْلُهُ: انْتَهَى] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ انْتَهَى كَلَامُ ق.

وَقَوْلُهُ: وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ الْمُوَافِقُ لِلِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ كَمَا أَشَرْنَا لَهُ.

[قَوْلُهُ: «كَانَ يَعْتَكِفُ وَهُوَ الْإِمَامُ» ] قَدْ عَلِمْت ضَعْفَ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ اسْتِحْبَابُ كَوْنِهِ رَاتِبًا الْمُوَافِقَ لِلْحَدِيثِ.

[قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ يُبَاحُ لَهُ عَقْدُ النِّكَاحِ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَأَمَّا عِبَارَتُهُ فَهِيَ قَاصِرَةٌ.

[قَوْلُهُ: بِأَنْ يَغْشَاهُ] بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَتَلَبَّسُ بِهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ مَجْلِسِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ خَارِجَهُ حَرُمَ وَبَطَلَ اعْتِكَافُهُ.

[قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يُطَوِّلَ التَّشَاغُلَ بِهِ] وَإِلَّا كُرِهَ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ عَقْدِ النِّكَاحِ لِكُلِّ أَحَدٍ] وَمِنْهَا أَنَّ الْمُعْتَكِفَ مُنْعَزِلٌ عَنْ النِّسَاءِ فِي الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ أَوْ أَنَّ مَفْسَدَةَ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الِاعْتِكَافِ.

[قَوْلُهُ: لَا يَنْكِحُ إلَخْ] بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ.

وَقَوْلُهُ: وَلَا يُنْكِحُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يَعْقِدُ لِغَيْرِهِ قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ.

[الْوَقْت الَّذِي يَخْرَج فِيهِ مِنْ الِاعْتِكَاف]

[قَوْلُهُ: وَمَنْ اعْتَكَفَ أَوَّلَ الشَّهْرِ إلَخْ] يَعْنِي أَوَّلَ شَهْرٍ مِنْ الشُّهُورِ غَيْرَ رَمَضَانَ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ كُلَّ الشَّهْرِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْغَرَضُ اعْتِكَافَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ مَثَلًا فَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ الْقَيْدِ، وَهَذَا يَجْرِي أَيْضًا فِي قَوْلِهِ أَوْ وَسَطَهُ.

[قَوْلُهُ: بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ] أَيْ لِانْقِضَاءِ اعْتِكَافِهِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ يَوْمٍ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَهُوَ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ.

[قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ] أَيْ اسْتَحَبَّ اللَّخْمِيُّ مُكْثَهُ اللَّيْلَةَ الَّتِي هِيَ تَلِي آخِرَ أَيَّامِ الِاعْتِكَافِ.

[قَوْلُهُ: لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ إلَخْ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشَرَةِ الْأَوَاسِطِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إذَا كَانَ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ صَبِيحَتَهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ قَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>