للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرَعَ يُبَيِّنُ الْأَنْكِحَةَ الْفَاسِدَةَ فَقَالَ: (وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الشِّغَارِ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: صَرِيحُ الشِّغَارِ وَوَجْهُ الشِّغَارِ وَمُرَكَّبٌ مِنْهُمَا، وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَهُوَ الْبُضْعُ بِالْبُضْعِ) أَيْ الْفَرْجُ بِالْفَرْجِ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الشِّغَارِ» ، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِ نَافِعٍ رَاوِي الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّانِي: أَنْ يُسَمِّيَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ زَوِّجْنِي ابْنَتَك بِخَمْسِينَ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي بِخَمْسِينَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُسَمِّيَ لِوَاحِدَةٍ دُونَ أُخْرَى مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَك بِخَمْسِينَ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَحُكْمُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ عَلَى الْمَشْهُورِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ وَلِلْمَدْخُولِ بِهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ وَلَا شَيْءَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَحُكْمُ الثَّانِي: أَنْ يُفْسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا بَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْأَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى عَلَى الْمَشْهُورِ. وَحُكْمُ الثَّالِثِ: أَنَّهُمَا يُفْسَخَانِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ نِكَاحُ الْمُسَمَّى لَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ أَوْ الْأَكْثَرُ تَأْوِيلَانِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَيُفْسَخُ نِكَاحُ الَّتِي لَمْ يُسَمِّ لَهَا، وَلَيْسَ لَهَا إلَّا صَدَاقُ الْمِثْلِ.

(وَلَا) يَجُوزُ (نِكَاحٌ بِغَيْرِ صَدَاقٍ) إذَا شَرَطَا إسْقَاطَهُ فَإِنْ وَقَعَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُفْسَخُ

ــ

[حاشية العدوي]

إلَخْ] الْأَوَّلُ: رُكُونُ وَلِيِّهَا أَوْ مَنْ يَقُومُ عَلَيْهَا مِنْ أُمٍّ أَوْ غَيْرِهَا كَرُكُونِهَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا الرَّدُّ عِنْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ إلَيْهَا.

الثَّانِي: إذَا خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِ الْفَاسِقِ بَعْدَ الرُّكُونِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يُفْسَخُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لِسُهُولَةِ الْفَسْخِ حِينَئِذٍ وَالْفَسْخُ بِطَلَاقٍ، سَوَاءٌ قَامَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ أَوْ تَرَكَهُ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ فِي فَسْخِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ مَفَاسِدَ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَتَحَلَّلَ صَاحِبُهُ مِمَّا فَعَلَ، وَإِذَا اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ، وَيَنْبَغِي التَّعْزِيرُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ حَصَلَ الْفَسْخُ؛ لِإِقْدَامِهِ عَلَى الْأَمْرِ الْمُحَرَّمِ، وَفِي الْجَلَّابِ فَإِنْ خَطَبَ عَلَى خِطْبَتِهِ، وَعَقَدَ عَلَى ذَلِكَ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَلَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. الثَّالِثُ قَالَ فِي الْجَلَّابِ لَا بَأْسَ أَنْ يَخْطُبَ الْمَرْأَةَ جَمَاعَةٌ مُجْتَمِعُونَ وَمُفْتَرِقُونَ مَا لَمْ تُوَافِقْ وَاحِدًا وَتَسْكُنْ إلَيْهِ، فَحَرُمَ عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ أَنْ يَخْطُبَهَا حَتَّى يَعْدِلَ الْأَوَّلُ عَنْهَا. اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ.

[الْأَنْكِحَةَ الْفَاسِدَةَ]

[قَوْلُهُ: نِكَاحُ الشِّغَارِ] ، وَهَلْ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الرَّفْعِ تَقُولُ شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِلْبَوْلِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ بُلُوغِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْجِمَاعِ أَوْ مِنْ الْخُلُوِّ، وَهُوَ رَفْعُ الصَّدَاقِ بَيْنَهُمَا، شَغَرَتْ الْبَلَدُ خَلَتْ مِنْ النَّاسِ، وَلِذَا اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ بِدُونِ مَهْرٍ كَمَا قَالَهُ فِي تت. [قَوْلُهُ: يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ عَلَى الْمَشْهُورِ] ، وَقَالَ سَحْنُونٌ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ مَغْلُوبٍ عَلَى فَسْخِهِ فَالْفِسْقُ فِيهِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ.

[قَوْلُهُ: لَا بَعْدَهُ] ، وَقِيلَ بِالْفَسْخِ بَعْدَهُ [قَوْلُهُ: وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْأَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ] ، وَقِيلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقُ الْمِثْلِ [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهَا صَدَاقٌ إلَخْ] وَالرَّاجِحُ مِنْ الْخِلَافِ أَنَّ لَهَا الْأَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى، وَصَدَاقِ الْمِثْلِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُجْبَرَةً كَالْبِكْرِ وَالْأَمَةِ أَوْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ كَالْأُخْتِ وَكَمَا يَجْرِي بَيْنَ الْأَحْرَارِ يَجْرِي بَيْنَ الْعَبِيدِ، كَزَوِّجْ أَمَتَك مِنْ عَبْدِي عَلَى أَنْ أُزَوِّجَ أَمَتِي مِنْ عَبْدِك وَمَحِلُّ فَسَادِ نِكَاحِ الشِّغَارِ إذَا تَوَقَّفَ نِكَاحُ أَحَدِهِمَا عَلَى نِكَاحِ الْآخَرِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ وَسَمَّيَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ أَوْ دَخَلَا عَلَى التَّفْوِيضِ فَلَا فَسَادَ، وَحُكْمُهُ تَسْمِيَةُ الْوَسَطِ وَجْهًا؛ لِأَنَّهُ شِغَارٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَحَيْثُ إنَّهُ سَمَّى لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقًا لَيْسَ بِشِغَارٍ لِعَدَمِ خُلُوِّ الْعَقْدِ عَنْ الصَّدَاقِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرْطُ تَزَوُّجِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى فَهُوَ شِغَارٌ وَتَسْمِيَةُ الْأَوَّلِ وَاضِحَةٌ وَالْأَخِيرُ كَذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: إذَا شَرَطَا إسْقَاطَهُ] وَفِي مَعْنَى إسْقَاطِهِ إرْسَالُهَا لَهُ مَالًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ لَهَا صَدَاقًا فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ.

قَالَهُ تت. وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ شَرَطَا إسْقَاطَهُ أَنَّهُمَا لَوْ سَكَتَا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ دَخَلَا عَلَى التَّفْوِيضِ بِاللَّفْظِ أَوْ عَلَى تَحْكِيمِ الْغَيْرِ فِي بَيَانِ قَدْرِهِ فَلَا فَسَادَ، وَهُوَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُفْسَخُ] أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَسَادَهُ مِنْ جِهَةِ صَدَاقِهِ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ، الْمِثْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا قَالَ وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>