للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٣٣ -[بَابٌ فِي الظِّهَارِ]

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الظِّهَارِ (وَمَنْ تَظَاهَرَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُكَلَّفِينَ حُرًّا كَانَ، أَوْ عَبْدًا (مِنْ امْرَأَتِهِ) أَوْ أَمَتِهِ، وَهُوَ أَنْ يُشَبِّهَهَا بِمُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِنَسَبٍ، أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ صِهْرٍ كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (فَلَا يَطَؤُهَا) وَلَا يُقَبِّلُهَا

ــ

[حاشية العدوي]

[بَابٌ فِي الظِّهَارِ]

بَابُ الظِّهَارِ [قَوْلُهُ: وَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ] الْمُسْلِمُ يَشْمَلُ الزَّوْجَ، وَالسَّيِّدَ فَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ ظِهَارٌ، وَلَوْ رَفَعَ أَمْرَهُ إلَيْنَا، بِخِلَافِ إيلَائِهِ فَإِنَّنَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا فِي الْإِيلَاءِ فَرُبَّمَا تُسْقِطُهُ عِنْدَ التَّرَافُعِ فَيَسْقُطُ، وَالظِّهَارُ حَقٌّ لِلَّهِ فَلَا يَسْقُطُ بِدُونِ كَفَّارَتِهِ.

تَنْبِيهٌ: حُكْمُ الظِّهَارِ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ.

[قَوْلُهُ: الْمُكَلَّفِينَ] يَشْمَلُ السَّكْرَانَ وَتَذْكِيرُ الْوَصْفِ يَقْتَضِي أَنَّ الظِّهَارَ لَا يَقَعُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ مُرَاهِقًا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ظِهَارٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الطَّوْعِ فَلَا يَلْزَمُ ظِهَارُ الْمُكْرَهِ وَيَشْمَلُ السَّفِيهَ وَلِوَلِيِّهِ التَّكْفِيرُ عَنْهُ بِالْعِتْقِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، فَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ عَنْهُ لِإِجْحَافِهِ بِمَالِهِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ عَوْدَ الظِّهَارِ أَوْ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ، وَلِلزَّوْجَةِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ الْأَجَلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ صَامَ مِنْ غَيْرِ مَنْعٍ لِوَلِيِّهِ.

فَإِنْ أَبَى فَهُوَ مُضَارٌّ وَفِي صِحَّةِ الظِّهَارِ مِنْ عَاجِزٍ عَنْ الْوَطْءِ قَادِرٍ عَلَى مُقَدِّمَاتِهِ كَمَجْبُوبٍ وَخَصِيٍّ وَشَيْخٍ فَانٍ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ قَوْلَانِ: وَالْأَوَّلُ أَقْوَى [قَوْلُهُ: مِنْ امْرَأَتِهِ] ، وَلَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ مُحْرِمَةً مَا لَمْ يُقَيِّدْ بِمُدَّةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ أَوْ الْإِحْرَامِ، فَلَا يَلْزَمُ الظِّهَارُ وَرَجْعِيَّتُهُ، وَالْأَمَةُ، وَلَوْ مُدَبَّرَةً؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا وَلَا مِنْ الْمُعْتَقَةِ لِأَجَلٍ وَلَا مِنْ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إذْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُنَّ وقَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: ٣] لَا مَفْهُومَ لَهُ فَالظِّهَارُ يَكُونُ مِنْ الْأَمَةِ أَيْضًا [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يُشَبِّهَهَا] الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ وَكِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ، فَالصَّرِيحُ مَا فِيهِ ظَهْرٌ مُؤَبَّدَةُ التَّحْرِيمِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ وَطْءٍ مَنْكُوحَةً فِي عِدَّةٍ أَوْ بِكَوْنِهَا دَابَّةً.

فَإِنْ قَالَ لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الدَّابَّةِ كَانَ مُظَاهِرًا كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ، وَالظَّاهِرَةُ مَا سَقَطَ فِيهِ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ الظَّهْرُ أَوْ مُؤَبَّدَةَ التَّحْرِيمِ نَحْوُ أَنْتِ عَلَيَّ كَيَدِ أُمِّي أَوْ فَرْجِهَا أَوْ كَظَهْرِ أَبِي أَوْ ابْنِي أَوْ غُلَامِي أَوْ فُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْخَفِيَّةُ كَاسْقِنِي فَالصَّرِيحُ لَا يَنْصَرِفُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ أَرَادَهُ فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَأَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا فَإِنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَيَلْزَمُ الظِّهَارُ، وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَقِيلَ: يُؤَاخَذُ بِالطَّلَاقِ لِنِيَّتِهِ وَلَا يَنْوِي فِيمَا دُونِ الثَّلَاثِ، وَبِالظِّهَارِ لِلَفْظِهِ وَقِيلَ: لَا يُؤَاخَذُ إلَّا بِالظِّهَارِ فَقَطْ، وَالْكِنَايَةُ الظَّاهِرَةُ هِيَ الَّتِي تَنْصَرِفُ لِلْغَيْرِ بِنِيَّتِهِ.

فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ كَأُمِّي وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَزِمَهُ فِي الْفُتْيَا، وَالْقَضَاءُ وَلَا يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا فَيَنْوِي، وَالْخَفِيَّةُ الَّتِي لَا تَنْصَرِفُ لِلظِّهَارِ إلَّا بِنِيَّةٍ كَاسْقِينِي إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنَقُولُ: هَذَا التَّعْرِيفُ لِلْكِنَايَةِ الصَّرِيحَةِ، إلَّا أَنَّ فِي عِبَارَتِهِ قُصُورٌ فَالْمُنَاسِبُ لَهُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ أَنْ يُشَبِّهَهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا بِظَهْرٍ مُؤَبَّدَةِ التَّحْرِيمِ [قَوْلُهُ: أَوْ صِهْرٍ] مُنْحَصِرٌ فِي أَرْبَعَةِ أُمُورٍ: أُمُّ الزَّوْجَةِ، وَالرَّبِيبَةُ إذَا دَخَلَ بِالْأُمِّ وَزَوْجَةُ الْأَبِ وَزَوْجَةُ الِابْنِ [قَوْلُهُ: وَلَا يُقَبِّلُهَا إلَخْ] الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبْلَ إكْمَالِ الْكَفَّارَةِ الِاسْتِمْتَاعُ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ وَعَلَيْهَا مَنْعُهُ، وَوَجَبَ إنْ خَافَتْهُ رَفْعُهَا لِلْحَاكِمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>