للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَضْمَنُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ أَوْ يَصْحَبَهُ رَبُّهُ فَلَا ضَمَانَ (وَلَا كِرَاءَ لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ السَّفِينَةِ (إلَّا عَلَى الْبَلَاغِ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِي السُّفُنِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْجُعْلِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْغَرَضُ الْمَطْلُوبُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ وَقِيلَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِحِسَابِ مَا سَارَ. وَاسْتُظْهِرَ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْكِرَاءِ إلَى الْإِجَارَةِ أَوْلَى مِنْ رَدِّهِ إلَى الْجُعَلِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ مَعْلُومَةٌ، وَالْأُجْرَةَ مَعْلُومَةٌ فَيَكُونُ لَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الشِّرْكَةِ فَقَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالشِّرْكَةِ بِالْأَبْدَانِ) بَعْضُهُمْ لَمْ يُثْبِتْ فِيهَا إلَّا كَسْرَ الشِّينِ وَسُكُونَ الرَّاءِ. وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ، وَهِيَ إذْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ مَعَ نَفْسِهِ وَلَا بَأْسَ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ دَلِيلُهَا مَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ زُهْرَةَ بْنَ مَعْبَدٍ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ فَيَلْقَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَيَقُولَانِ لَهُ: أَشْرِكْنَا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ دَعَا لَك بِالْبَرَكَةِ فَيُشْرِكَهُمَا فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ فَيَبْعَثُ بِهَا

ــ

[حاشية العدوي]

فِي مَالِهِ هَذَا حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُمْ وَإِلَّا قُتِلَ بِهِمْ.

[قَوْلُهُ: مِنْ مَدٍّ] أَيْ زِيَادَةِ الْبَحْرِ [قَوْلُهُ: إلَّا فِيمَا حُمِلَ إلَخْ] هَكَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ نَاجِي لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمُؤَلِّفِ، وَالْمُدَوَّنَةِ، وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَ تت وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْغَرَضُ] أَيْ إذَا غَرِقَتْ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَغَرِقَ جَمِيعُ مَا فِيهَا مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ فَلَا كِرَاءَ لَوْ لِرَبِّهَا، وَأَمَّا لَوْ غَرِقَ الْبَعْضُ وَسَلِمَ الْبَعْضُ الْآخَرُ وَاسْتَأْجَرَ رَبُّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ لِلْأَوَّلِ كِرَاءَ مَا بَقِيَ إلَى مَحَلِّ الْغَرَقِ عَلَى حَسَبِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ لَا بِنِسْبَةِ الثَّانِي وَلَيْسَ لَهُ كِرَاءُ مَا ذَهَبَ بِالْغَرَقِ، وَأَمَّا لَوْ غَرِقَتْ بَعْدَ وُصُولِهَا إلَى الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا تَمَكَّنَ رَبُّ الشَّيْءِ مِنْ إخْرَاجِ مَا فِيهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ إلَخْ] مَوْضِعُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا غَرِقَتْ كُلُّهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّحْقِيقِ، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ

[الشَّرِكَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا مِنْ أَحْكَام]

[قَوْلُهُ: إذْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ] الْأَوْلَى الشَّخْصَيْنِ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّ شَرِيكَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ الشِّرْكَةِ، فَقَوْلُ: إذْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّخْصَيْنِ لِصَاحِبِهِ أَخْرَجَ الْوَكَالَةَ، وَالْقِرَاضَ. وَقَوْلُهُ: مَعَ نَفْسِهِ أَخْرَجَ الْقِرَاضَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَقَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ تَصَرَّفْ فِي هَذَا الْمَالِ وَحْدَك عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِي وَلَك بِشَرْطِ أَلَّا أَتَصَرَّفَ مَعَك، وَيَقُولُ لَهُ الْآخَرُ: تَصَرَّفْ فِي هَذَا الْمَالِ لِي وَلَك، وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا وَلَا أَتَصَرَّفُ مَعَك فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّخْصَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ لَكِنْ لَيْسَ مَعَ نَفْسِهِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: زُهْرَةَ] قَالَ. فِي التَّقْرِيبِ: بِضَمِّ أَوَّلِهِ [قَوْلُهُ: ابْنَ مَعْبَدٍ] بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَالْمُوَحَّدَةِ بَيْنَهُمَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ. [قَوْلُهُ: جَدُّهُ] هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ. وَقَوْلُهُ: فَيَقُولَانِ لَهُ أَيْ لِجَدِّهِ الَّذِي هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ. وَقَوْلُهُ: أَشْرِكْنَا بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مَفْتُوحَةٍ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ اجْعَلْنَا شَرِيكَيْنِ لَك فِي الطَّعَامِ الَّذِي اشْتَرَيْته [قَوْلُهُ: دَعَا لَك] أَيْ لِأَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ حُمَيْدٍ «ذَهَبَتْ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْهُ أَيْ عَاقِدْهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هُوَ صَغِيرٌ فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ» . فَقَوْلُهُ: بِالْبَرَكَةِ أَيْ فِي مَالِكَ وَأَحْوَالِك وَأَعْمَالِك. وَقَوْلُهُ: فَيَشْرَكُهُمَا بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَالرَّاءِ. وَقَوْلُهُ: أَصَابَ أَيْ مِنْ الرِّبْحِ وَرُبَّمَا يَحْتَمِلُ أَنَّهَا لِلتَّقْلِيلِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لِلتَّكْثِيرِ، وَالثَّانِي أَشْبَهُ بِالسِّيَاقِ، وَالرَّاحِلَةُ الْبَعِيرُ الْقَوِيُّ الْمُخْتَارُ لِلرُّكُوبِ الذَّكَرُ أَوْ الْأُنْثَى فَهَاؤُهَا لِلْمُبَالَغَةِ. وَقَوْلُهُ: كَمَا هِيَ أَيْ جَمِيعُهَا، ثُمَّ يَحْتَمِلُ الْمُرَادُ نَفْسُهَا أَوْ مَحْمُولُهَا وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ شَيْءٌ كَثِيرٌ أَوْ أَنَّهُ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْبَرَكَةِ أَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ أَوْ كَثِيرًا مَا يَحْصُلُ لَهُ فِي الصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ مَا يُسَاوِي الشَّيْءَ الْكَثِيرَ جِدًّا وَهُوَ قِيمَةُ تِلْكَ الرَّاحِلَةِ أَوْ مَحْمُولِهَا بَلْ أَوْ هُمَا مَعًا، بَلْ هَذَا هُوَ الْأَكْثَرُ بِتِلْكَ الدَّعْوَةِ الصَّادِرَةِ مِنْ ذَلِكَ الْفَيْضِ الْوَاسِعِ مِنْ شَرْحِهِ الْمِشْكَاةِ لِابْنِ حَجَرٍ.

تَنْبِيهٌ:

هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الشِّرْكَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْإِقَالَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ لَا الشِّرْكَةِ الْمُبَوَّبِ لَهَا الْمَعْرِفَةُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>