للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْوَاهِبُ) مَرَضًا مَخُوفًا (أَوْ فُلِّسَ فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ مَرِضَ الْوَاهِبُ أَوْ فُلِّسَ (قَبْضُهَا) أَيْ الْهِبَةِ وَمِثْلُهَا الصَّدَقَةُ وَالْحَبْسُ، وَقَيَّدْنَا الْهِبَةَ بِغَيْرِ الثَّوَابِ لِقَوْلِ الْجَلَّابِ: وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِلثَّوَابِ فَمَاتَ قَبْلَ دَفْعِ الْهِبَةِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ جَائِزَةٌ لَازِمَةٌ وَلَيْسَتْ تَحْتَاجُ هِبَةُ الثَّوَابِ إلَى حِيَازَةٍ

(وَلَوْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ) أَيْ الَّذِي وُهِبَ لَهُ وَكَانَ حُرًّا قَبْلَ قَبْضِ الْهِبَةِ (كَانَ لِوَرَثَتِهِ الْقِيَامُ فِيهَا) أَيْ الْهِبَةِ (عَلَى الْوَاهِبِ الصَّحِيحِ) غَيْرِ الْمُفْلِسِ قَبِلَ مُوَرِّثُهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ، وَقَيَّدْنَا بِالْحُرِّ احْتِرَازًا مِنْ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْقِيَامَ فِي ذَلِكَ لِسَيِّدِهِ، وَقُيِّدَ الْوَاهِبُ بِالصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَرِيضِ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْحُبْسِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْوَقْفِ وَهُوَ إعْطَاءُ الْمَنَافِعِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى مَا نَقَلَ ك. ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ حُكْمُ حَاكِمٍ أَوْ يَخْرُجَ مَخْرَجَ الْوَصَايَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يَصِحُّ بِغَيْرِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ وَيَلْزَمُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ إلَّا بِأَحَدِهِمَا انْتَهَى. وَنَقَلَ بَهْرَامُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ مَنْعَ الْوَقْفِ وَعَنْ الْجُمْهُورِ الْجَوَازَ.

قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ

ــ

[حاشية العدوي]

حَتَّى مَرِضَ الْوَاهِبُ] أَيْ أَوْ جُنَّ وَاتَّصَلَ كُلٌّ بِمَوْتِهِ، وَأَمَّا لَوْ مَرِضَ الْوَاهِبُ قَبْلَ الْحَوْزِ ثُمَّ صَحَّ صِحَّةً بَيِّنَةً فَإِنَّهَا تُحَازُ وَتَتِمُّ.

[قَوْلُهُ: أَوْ فُلِّسَ] وَلَوْ بِإِحَاطَةِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ سَبَقَ عَلَى الْهِبَةِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا.

[قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ قَبْضُهَا] أَيْ لِبُطْلَانِهَا.

[قَوْلُهُ: جَائِزَةٌ] أَيْ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مَا يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِهَا، وَقَوْلُهُ: لَازِمَةٌ أَيْ إذَا وَقَعَتْ هِبَةُ الثَّوَابِ فِي مُقَابِلَةِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ حَاضِرًا أَوْ غَائِبٌ وَحَصَلَ الرِّضَا

[قَوْلُهُ: وَلَوْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ] أَيْ الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهُ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ قَالَ: هَذِهِ هِبَةٌ لِفُلَانٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَإِنْ حَصَلَ تَنَازُعٌ فِي قَصْدِ عَيْنِهِ وَعَدَمِ قَصْدِهَا فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ لِأَحَدِهِمَا عُمِلَ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَانْظُرْ أَيَّهمَا يَقْبَلُ، وَالظَّاهِرُ لِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَاهِبِ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ، وَمِثْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: غَيْرُ الْمُفْلِسِ] أَيْ غَيْرُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَحَاطَ الدَّيْن بِمَالِهِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْمَوْهُوبِ قِيَامٌ.

وَقَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَنْ الْمَرِيضِ أَيْ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ مَرِضَ أَوْ جُنَّ قَبْلَ قَبْضِهَا فَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ قِيَامٌ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ.

تَنْبِيهٌ: هَذَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَوْ الْهِبَةِ، وَأَمَّا إنَّ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَلَمْ أَجِدْ فِي ذَلِكَ جَوَابًا هَلْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ أَمْ لَا اهـ.

[أَحْكَام الحبس]

[قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَحَبَسْته بِمَعْنَى وَقَفْته فَهُوَ حَبِيسٌ وَالْجَمْعُ حُبُسٌ مِثْلَ بَرِيدٍ وَبُرُدٍ، وَإِسْكَانُ الثَّانِي لِلتَّخْفِيفِ لُغَةٌ اهـ.

إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ الشَّارِحَ اقْتَصَرَ عَلَى لُغَةِ التَّخْفِيفِ وَأَنَّهُ أَتَى بِالْجَمْعِ لَا بِالْمُفْرَدِ مَعَ أَنَّهُ فِي بَيَانِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ بِمَعْنَى الْوَقْفِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ بِمَعْنَى الْوَقْفِ] مَصْدَرُ وَقَفَ الْمُجَرَّدِ عَلَى اللُّغَةِ الْفُصْحَى وَالرَّدِيئَةِ أَوْقَفَ، وَسُمِّيَ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَوْقُوفَةٌ وَمَحْبُوسَةٌ.

[قَوْلُهُ: إعْطَاءُ الْمَنَافِعِ] أَيْ الْجِنْسُ الْمُتَحَقِّقُ فِي وَاحِدَةٍ، هَذَا إذَا لَاحَظْت الْجَمْعَ بِاعْتِبَارِ الذَّوَاتِ الْمَوْقُوفَةِ وَإِلَّا فَأَنْتَ فِي غُنْيَةٍ عَنْ ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ] أَيْ سَبِيلٌ هُوَ التَّأْبِيدُ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ التَّأْبِيدُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَيَّدَ بِمُدَّةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ مِلْكًا.

[قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ حُكْمُهُ النَّدْبُ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْسَنِ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ وَهُوَ مِمَّا اُخْتُصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَمْ تَحْبِسْ الْجَاهِلِيَّةُ فِيمَا عَلِمْت.

[قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ إلَّا بِأَحَدِهِمَا] بَيَّنَ ذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى مَنْعِهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَهُوَ مِلْكٌ يُورَثُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ أَوْ يُعَلِّقُهُ عَلَى مَوْتِهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتّ فَدَارِي وَقْفٌ عَلَى كَذَا، وَبَعْدُ فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَلَامَهُ أَوَّلًا يُفِيدُ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْجَوَازِ وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي اللُّزُومِ.

وَقَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>