للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَعَبْدِ الْحَقِّ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ يُونُسَ.

(وَمَنْ قَالَ دَفَعْت إلَى فُلَانٍ كَمَا أَمَرْتنِي) مِثْلُ أَنْ يُرْسِلَهُ إلَى مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ إلَى مِسْكِينٍ (فَأَنْكَرَ فُلَانٌ) بِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مَا أَمَرَهُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ (فَعَلَى الدَّافِعِ الْبَيِّنَةُ) أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِذَلِكَ (ضَمِنَ) إذَا أَمَرَهُ بِالْإِشْهَادِ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ الْإِشْهَادَ.

وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ تَرْكَ الْإِشْهَادِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (وَكَذَلِكَ عَلَى وَلِيِّ الْأَيْتَامِ) وَهُوَ الْوَصِيُّ وَوَصِيُّهُ وَوَلِيُّ الْقَاضِي (الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ) إذَا لَمْ يَكُونُوا فِي حَضَانَتِهِ وَنَازَعُوهُ فِي مِقْدَارِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ (أَوْ) أَنَّهُ (دَفَعَ إلَيْهِمْ) أَمْوَالَهُمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ وَرُشْدِهِمْ وَقَيَّدْنَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُونُوا فِي حَضَانَتِهِ لِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانُوا فِي حَضَانَتِهِ) وَنَازَعُوا (صُدِّقَ فِي النَّفَقَةِ فِيمَا يُشْبِهُ) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تُدْرِكُهُ فِي الْإِشْهَادِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى مَا لَا يُشْبِهُ لَا يُصَدَّقُ وَهُوَ كَذَلِكَ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الصُّلْحِ فَقَالَ: (وَالصُّلْحُ) وَهُوَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ (جَائِزٌ إلَّا مَا جَرَّ إلَى حَرَامٍ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» . مِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى دَارٍ ادَّعَاهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَمِثَالُ الثَّانِي: أَنْ يُصَالِحَ عَلَى سِلْعَةٍ بِثَوْبٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَلْبَسَهَا آخِذُهَا أَوْ لَا يَبِيعَهَا (وَيَجُوزُ) الصُّلْحُ (عَلَى الْإِقْرَارِ) اتِّفَاقًا (وَ) عَلَى (الْإِنْكَارِ) عَلَى الْمَشْهُورِ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَدَّعِيَ دَارًا مَثَلًا

ــ

[حاشية العدوي]

سَوَاءٌ.

[قَوْلُهُ: قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَعَبْدِ الْحَقِّ] وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِلتَّوَثُّقِ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ.

[قَوْلُهُ: فَأَنْكَرَ] مَفْهُومُهُ لَوْ اعْتَرَفَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَكِنْ ادَّعَى أَنَّهُ ضَاعَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ وَمُصِيبَةُ الْمَالِ لِمَنْ هُوَ لَهُ.

[قَوْلُهُ: إذَا أَمَرَهُ بِالْإِشْهَادِ إلَخْ] كَانَ الْوَكِيلُ مُفَوَّضًا إلَيْهِ أَمْ لَا، كَانَتْ الْعَادَةُ الْإِشْهَادَ أَمْ لَا، وَمَحَلُّ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ الدَّفْعُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمُوَكِّلِ.

[قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الضَّمَانُ وَلَوْ جَرَى عُرْفٌ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ فَهِيَ تُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَةِ الْعَمَلِ بِالْعُرْفِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْمَذْهَبِ.

[قَوْلُهُ: وَوَلِيُّ الْقَاضِي] أَيْ مَا قَدَّمَهُ الْقَاضِي.

[قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُونُوا فِي حَضَانَتِهِ] كَأَنْ كَانَ يُنْفِقُ مُسَانَاةً أَوْ مُشَاهَرَةً.

[قَوْلُهُ: وَنَازَعُوهُ فِي مِقْدَارِ مَا أَنْفَقَ] أَيْ أَوْ أَصْلُ الْإِنْفَاقِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ وَرُشْدِهِمْ] وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ زَمَنَ كَوْنِهِمْ فِي حَضَانَتِهِ وَقَبْلَ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ لَا يُصَدَّقُ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الدَّفْعِ حَيْثُ أَتْلَفُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنْ شَيْءٍ قَبْلَ رُشْدِهِمْ سِوَى النَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَلَوْ قَامُوا بَعْدَ طُولٍ مِنْ رُشْدِهِمْ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.

[قَوْلُهُ: صُدِّقَ فِي النَّفَقَةِ] أَيْ فِي شَأْنِ النَّفَقَةِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا نَازَعُوهُ فِي أَصْلِ الْإِنْفَاقِ أَوْ فِي قَدْرِ الْمُنْفَقِ، وَمِثْلُ كَوْنِهِمْ فِي حَضَانَتِهِ كَوْنُهُمْ فِي حَضَانَةِ أُمِّهِمْ وَهِيَ فَقِيرَةٌ وَظَهَرَ أَثَرُ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ.

[قَوْلُهُ: مَعَ يَمِينِهِ] اُخْتُلِفَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْسُبَ أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ وَيُسْقِطَ الزَّائِدَ، وَلَا يَحْلِفُ هَلْ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عِمْرَانَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ إذْ قَدْ يُمْكِنُ أَقَلُّ مَا حَسَبَ وَهُوَ قَوْلُ عِيَاضٍ قُلْت: وَهُوَ الظَّاهِرُ فَتَدَبَّرْ.

[أَحْكَام الصُّلْح]

[قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ إلَخْ] الصُّلْحُ انْتِقَالٌ عَنْ حَقٍّ أَوْ دَعْوَى بِعِوَضٍ لِرَفْعِ نِزَاعٍ أَوْ لِخَوْفِ وُقُوعِهِ.

[قَوْلُهُ: جَائِزٌ] أَيْ جَوَازًا رَاجِحًا؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِلَفْظِ جَائِزٍ الْمُوهِمِ الْجَوَازَ الْمُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ لِأَجْلِ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ إلَّا مَا جَرَّ إلَى حَرَامٍ.

[قَوْلُهُ: أَحَلَّ حَرَامًا] أَيْ أَدَّى إلَى ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ شَرْعًا.

[قَوْلُهُ: مِثَالُ الْأَوَّلِ] أَيْ وَكَالصُّلْحِ عَنْ الذَّهَبِ الْمُؤَجَّلِ بِالْوَرِقِ وَلَوْ عَلَى الْحُلُولِ.

[قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَلْبَسَهَا آخِذُهَا إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ لَا يَلْبَسَهُ أَيْ الثَّوْبَ، وَتَرْجِيعُ الضَّمِيرِ لِلسِّلْعَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهَا صَادِقَةٌ بِكَوْنِهَا مِمَّا لَا يُلْبَسُ وَالْأَمْرُ سَهْلٌ.

[قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِقْرَارِ] وَيَكُونُ تَارَةً بَيْعًا إنْ وَقَعَ عَلَى أَخْذِ غَيْرِ الْمُقَرِّ بِهِ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ عَرْضٌ أَوْ حَيَوَانٌ وَيُصَالِحُ عَنْهُ بِدَرَاهِمَ، وَتَارَةً تَكُونُ إجَارَةً وَذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ ذَاتٌ مُعَيَّنَةٌ كَثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ فَيُصَالِحُهُ عَنْ ذَلِكَ بِمَنَافِعَ دَارٍ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ، وَتَارَةً يَكُونُ هِبَةً وَذَلِكَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>