للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ) فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] وَقَوْلُهُ {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] .

تَجِبُ (عَلَى غَيْرِ حَرْبِيٍّ) لَا أَمَانَ لَهُ (وَلَوْ صَبِيًّا وَمَجْنُونًا وَرَقِيقًا وَمُعَاهِدًا وَشَرِيكًا) وَمُرْتَدًّا (كَفَّارَةٌ بِقَتْلِهِ) ، وَلَوْ خَطَأً أَوْ بِتَسَبُّبٍ أَوْ شَرْطٍ (مَعْصُومًا عَلَيْهِ، وَلَوْ مُعَاهِدًا وَجَنِينًا) وَمُرْتَدًّا (وَعَبْدَهُ وَنَفْسَهُ) وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْهُمَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَخَرَجَ بِغَيْرِ الْحَرْبِيِّ الْمَذْكُورِ الْحَرْبِيُّ الَّذِي لَا أَمَانَ لَهُ فَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَمِثْلُهُ الْجَلَّادُ الْقَاتِلُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ ظُلْمًا وَهُوَ جَاهِلٌ بِالْحَالِ لِأَنَّهُ سَيْفُ الْإِمَامِ وَآلَةُ سِيَاسَتِهِ وَبِالْقَتْلِ غَيْرُهُ كَالْجِرَاحَاتِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِهَا فِي الْقَتْلِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَلَيْسَ غَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ وَبِالْمَعْصُومِ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَبَاغٍ قَتَلَهُ عَادِلٌ وَعَكْسُهُ فِي الْقِتَالِ وَصَائِلٍ وَمُقْتَصٍّ مِنْهُ وَمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ، وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَلَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِهِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ قَتْلُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَتَالِيَيْهَا لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لَيْسَ لِحُرْمَتِهِمْ بَلْ

لِمَصْلَحَةِ

الْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا يَفُوتَهُمْ الِارْتِفَاقُ بِهِمْ وَتَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَوْ قَتَلَ بِأَمْرِ غَيْرِهِ ضَمِنَ آمِرُهُ فَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِي مَالِهِمَا فَيُعْتِقُ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِمَا وَالْعَبْدُ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ اصْطَدَمَ شَخْصَانِ فَمَاتَا لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا كَفَّارَتَانِ وَاحِدَةٌ لِقَتْلِ نَفْسِهِ وَوَاحِدَةٌ لِقَتْلِ الْآخَرِ وَأَنَّهُ لَوْ اصْطَدَمَتْ حَامِلَانِ فَمَاتَتَا وَأَلْقَتَا جَنِينَيْنِ لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إهْلَاكِ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ نَفْسَيْهِمَا وَجَنِينَيْهِمَا.

(بَابُ دَعْوَى الدَّمِ)

أَعْنِي الْقَتْلَ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي وَعَبَّرَ بِهِ عَنْهُ لِلُزُومِهِ لَهُ غَالِبًا (وَالْقَسَامَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ الْأَيْمَانِ الْآتِي بَيَانُهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْقَسَمِ وَهُوَ الْيَمِينُ (شَرْطٌ لِكُلِّ دَعْوَى) بِدَمٍ أَوْ غَيْرِهِ كَغَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ

ــ

[حاشية الجمل]

الْجِنَايَةَ بِأَنْ قَصَدَهَا بِمَا يُجْهِضُ غَالِبًا فَالْغُرَّةُ عَلَيْهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ بِنَاءً عَلَى تَصَوُّرِ الْعَمْدِ فِيهِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ تَصَوُّرِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى عِلْمِ وُجُودِهِ وَحَيَاتِهِ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر.

[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ]

هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ؛ لِأَنَّهَا تَسْتُرُ الذُّنُوبَ اهـ عَمِيرَةُ اهـ سم وَالْقَصْدُ مِنْهَا تَدَارُكُ مَا فُرِّطَ مِنْ التَّقْصِيرِ وَهُوَ فِي الْخَطَأِ الَّذِي لَا إثْمَ فِيهِ تَرْكُ التَّثَبُّتِ مَعَ خَطَرِ الْأَنْفُسِ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: ٩٢] قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَدَّمَ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْكَفَّارَةَ عَلَى الدِّيَةِ وَفِي الْكَافِرِ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمُ يَرَى تَقْدِيمَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ وَالْكَافِرُ يَرَى تَقْدِيمَ حَقِّ نَفْسِهِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى اهـ شَوْبَرِيٌّ وَانْظُرْ لِمَ تَرَكَ الشَّارِحُ مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ الْآيَةَ مَعَ أَنَّ فِيهِ ذِكْرَ التَّحْرِيرِ أَيْضًا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ تَجِبُ كَفَّارَةٌ) أَيْ فَوْرًا فِي غَيْرِ الْخَطَأِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.

وَعِبَارَةُ حَجّ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر بِالْحَرْفِ وَيَجِبُ الْفَوْرُ فِي الْعَمْدِ وَشَبَهِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ تَدَارُكًا لِمَا فَاتَ بِخِلَافِ الْخَطَأِ انْتَهَتْ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى عَائِنٍ وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَقًّا؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مُهْلِكًا عَادَةً عَلَى أَنَّ التَّأْثِيرَ عِنْدَهَا لَا بِهَا حَتَّى بِالنَّظَرِ لِلظَّاهِرِ، وَقِيلَ إنَّهَا تَنْبَعِثُ مِنْهَا جَوَاهِرُ لَطِيفَةٌ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ فَتَتَخَلَّلُ الْمَسَامَّ فَيَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى الْهَلَاكَ عِنْدَهَا وَمِنْ أَدْوِيَتِهَا الْمُجَرَّبَةِ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ الْعَائِنُ أَيْ يَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَ إزَارِهِ أَيْ مَا يَلِي جَسَدَهُ مِنْ الْإِزَارِ وَيَصُبُّهُ عَلَى رَأْسِ الْمَعْيُونِ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى عَائِنٍ، وَكَذَا لَا يَجِبُ قَوَدٌ وَلَا دِيَةٌ وَمِثْلُ الْعَائِنِ الْوَلِيُّ إذَا قَتَلَ بِحَالِهِ أَيْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَمِنْ أَدْوِيَتِهَا الْمُجَرَّبَةِ إلَخْ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَائِنِ فِعْلُ ذَلِكَ إذَا وَجَدَ التَّأْثِيرَ فِي الْمَعْيُونِ وَطَلَبَ مِنْهُ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِعَدَمِ تَحَقُّقِ نَفْعِ ذَلِكَ اهـ ع ش عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ صَبِيًّا وَمَجْنُونًا) أَيْ؛ لِأَنَّ غَايَةَ فِعْلِهِمَا أَنَّهُ خَطَأٌ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِيهِ وَعَدَمُ لُزُومِهِمَا كَفَّارَةَ وِقَاعِهِمَا لِارْتِبَاطِهِ بِالتَّكْلِيفِ وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِهِ، وَالْمَدَارُ هُنَا عَلَى الْإِزْهَاقِ احْتِيَاطًا لِلْحَيَاةِ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ أَوْ بِتَسَبُّبِ) أَيْ كَالْإِكْرَاهِ وَأَمْرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالشَّهَادَةِ زُورًا وَقَوْلُهُ أَوْ شَرْطٌ كَالْحَفْرِ عُدْوَانًا وَإِنْ حَصَلَ التَّرَدِّي بَعْدَ مَوْتِ الْحَافِرِ اهـ ح ل.

(قَوْلُهُ وَمُرْتَدًّا) بِأَنْ قَتَلَهُ مُرْتَدٌّ مِثْلَهُ فَلَا يُخَالِفُ مَا يَأْتِي. أَمَّا الْمُرْتَدُّ إذَا قَتَلَ غَيْرَهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ وَنَفْسَهُ) أَيْ فَتَخْرُجُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ هُدِرَ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَإِنْ أَثِمَ بِقَتْلِهِ نَفْسَهُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ افْتِيَاتًا عَلَى الْإِمَامِ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ هُدِرَ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ هَذَا يَقْتَضِي تَنْزِيلَ قَتْلِهِ نَفْسَهُ مَنْزِلَةَ قَتْلِ غَيْرِ مِثْلِهِ لَهُ، وَإِلَّا وَجَبَتْ فَلْيُتَأَمَّلْ وَجْهُ التَّنْزِيلِ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَوَجْهُ التَّأَمُّلِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّهُ مَعْصُومٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فَعَدَمُهَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ مَعْصُومٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيَشْرَبُ الْمَاءَ لِعَطَشِهِ وَيَتَيَمَّمُ اهـ ع ش عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فِي الْقِتَالِ) مُتَعَلِّقٌ بِالشِّقَّيْنِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ وَمُرْتَدٍّ) أَيْ قَتَلَهُ غَيْرُ مُرْتَدٍّ، أَمَّا إذَا قَتَلَهُ مُرْتَدٌّ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فَيُعْتِقُ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِمَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُهُ وَصَرَّحَ بِهِ وَالِدُهُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَعَلَيْهِ فَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الصَّدَاقِ ضَعِيفٌ اهـ رَشِيدِيٌّ. (قَوْلُهُ أَيْضًا فَيُعْتِقُ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِمَا) ، فَإِنْ فُقِدَ فَصَامَا وَهُمَا مُمَيِّزَانِ أَجْزَأَهُمَا، وَكَذَا مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا وَكَأَنَّهُ مَلَكَهُ لَهُمَا، ثُمَّ نَابَ عَنْهُمَا فِي الْإِعْتَاقِ، وَكَذَا وَصِيٌّ وَقَيِّمٌ، وَقَدْ قَبِلَ لَهُمَا الْقَاضِي التَّمْلِيكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيّ اهـ ز ي (قَوْلُهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَشَرِيكًا وَنَفْسَهُ اهـ شَيْخُنَا.

[بَابُ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ]

<<  <  ج: ص:  >  >>