للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ) فِي الْأَمَانِ مَعَ الْكُفَّارِ الْعُقُودُ الَّتِي تُفِيدُهُمْ الْأَمْنَ ثَلَاثَةٌ أَمَانٌ وَجِزْيَةٌ وَهُدْنَةٌ لِأَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَ بِمَحْصُورٍ فَالْأَمَانُ أَوْ بِغَيْرِ مَحْصُورٍ فَإِنْ كَانَ إلَى غَايَةٍ فَالْهُدْنَةُ وَإِلَّا فَالْجِزْيَةُ وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالْإِمَامِ بِخِلَافِ الْأَمَانِ وَسَتَعْلَمُ أَحْكَامَ الثَّلَاثَةِ وَالْأَصْلُ فِي الْأَمَانِ آيَةُ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: ٦] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا أَيْ نَقَضَ عَهْدَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (لِمُسْلِمٍ مُخْتَارٍ غَيْرِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَأَسِيرٍ) وَلَوْ امْرَأَةً وَعَبْدًا وَفَاسِقًا وَسَفِيهًا (أَمَانُ حَرْبِيٍّ مَحْصُورٍ غَيْرِ أَسِيرٍ وَنَحْوِ جَاسُوسٍ) وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ كَأَهْلِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ فَلَا يَصِحُّ الْأَمَانُ مِنْ كَافِرٍ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَلَا مِنْ مُكْرَهٍ أَوْ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ كَسَائِرِ عُقُودِهِمْ وَلَا مِنْ أَسِيرٍ أَيْ مُقَيَّدٍ أَوْ مَحْبُوسٍ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ بِأَيْدِيهِمْ لَا يَعْرِفُ وَجْهَ الْمَصْلَحَةِ وَلِأَنَّ الْأَمَانَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤَمَّنُ آمِنًا وَهَذَا لَيْسَ بِآمِنٍ أَمَّا أَسِيرُ الدَّارِ وَهُوَ الْمُطْلَقُ بِبِلَادِهِمْ الْمَمْنُوعُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْهَا فَيَصِحُّ أَمَانُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنَّمَا يَكُون مُؤَمِّنُهُ آمِنًا مِنَّا بِدَارِهِمْ لَا غَيْرُ إلَّا أَنْ يُصَرَّحَ بِالْأَمَانِ فِي غَيْرِهَا وَلَا أَمَانُ حَرْبِيٍّ غَيْرِ مَحْصُورٍ كَأَهْلِ نَاحِيَةٍ وَبَلَدٍ

ــ

[حاشية الجمل]

وَمَا فِي بَعْضِ التَّوَارِيخِ أَنَّهُ وَقَفَهَا لَا اعْتِبَارَ بِهِ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا لَا تُبْنَى عَلَى مِثْلِ هَذِهِ التَّوَارِيخِ الَّتِي لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُهَا وَحِينَئِذٍ نَقُولُ فِيمَا نَجِدُهُ بِأَيْدِي أَهْلِهَا وَفِيمَا وَقَفَهُ مُلُوكُهَا أَوْ غَيْرُهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ كَأَنْ نَقُولَ انْتَقَلَ مِنْ الْغَانِمِينَ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ لِغَيْرِهِمْ وَهَكَذَا إلَى أَنْ وَصَلَ إلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ أَوْ إلَى مَنْ وَقَفَهُ مِنْ الْمُلُوكِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ انْتَقَلَ مِنْ الْغَانِمِينَ إلَى وَرَثَتِهِمْ وَهَكَذَا إلَى الْمَالِكِ الْآنَ أَوْ الْوَاقِفِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَاتَ الْغَانِمُونَ مِنْ غَيْرِ وَرَثَةٍ فَصَارَ لِبَيْتِ الْمَالِ فَتَصَرَّفَتْ فِيهِ الْأَئِمَّةُ بِالتَّمْلِيكِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَجُوزُ لَهُمْ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَيَجُوزُ إقْرَارُ أَهْلِهَا عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ وَالْحُكْمُ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ وَلَا يَجُوزُ ضَرْبُ خَرَاجٍ عَلَى ذَلِكَ اهـ شَرْحُ م ر انْتَهَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[فَصْلٌ فِي الْأَمَانِ مَعَ الْكُفَّارِ]

(فَصْلٌ) فِي الْأَمَانِ مَعَ الْكُفَّارِ أَيْ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَسُنَّ لِمُسْلِمٍ بِدَارِ كُفْرٍ أَمْكَنَهُ إظْهَارُ دِينِهِ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَ بِمَحْصُورٍ إلَخْ) مُقْتَضَى هَذَا الصَّنِيعِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَمَّنَ غَيْرَ مَحْصُورِينَ لَا يَجُوزُ وَلَا يُسَمَّى أَمَانًا وَأَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَجُوزُ فِي مَحْصُورِينَ وَلَيْسَ مُرَادًا اهـ ح ل وز ي إلَّا أَنْ يُقَالَ الْقَيْدُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ (قَوْلُهُ فَالْأَمَانُ) وَيُقَالُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ مُؤَمَّنٌ وَقَوْلُهُ فَالْهُدْنَةُ وَيُقَالُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ مُعَاهَدٌ وَقَوْلُهُ فَالْجِزْيَةُ وَيُقَالُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ ذِمِّيٌّ اهـ ح ل (قَوْلُهُ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ) الذِّمَّةُ فِي اللُّغَةِ تَكُونُ بِمَعْنَى الْعَهْدِ وَبِمَعْنَى الْأَمَانِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» «وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ» «وَلَهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» وَبِهِ سُمِّيَ أَهْلَ الذِّمَّةِ وَاصْطَلَحَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الذِّمَّةِ بِمَعْنَى الذَّاتِ وَالنَّفْسِ فَسُمِّيَ مَحَلُّهَا بِاسْمِهَا اهـ شَوْبَرِيٌّ.

وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ أَيْ عَهْدُهُمْ وَأَمَانُهُمْ وَأَمَّا الذِّمَّةُ فِي قَوْلِهِمْ ثَبَتَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ مَثَلًا فَالْمُرَادُ بِهَا الذَّاتُ تَسْمِيَةً لِلْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِّ انْتَهَتْ.

وَعِبَارَةُ ز ي الذِّمَّةُ الْعَهْدُ وَالْأَمَانُ وَالْحُرْمَةُ وَالْحَقُّ وَأَمَّا الذِّمَّةُ فِي قَوْلِهِمْ ثَبَتَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ فَمُرَادُهُمْ بِهَا الذَّاتُ وَالنَّفْسُ اللَّتَانِ هُمَا مَحَلُّهَا تَسْمِيَةً لِلْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِّ فِيهِ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ «يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» أَيْ يَتَحَمَّلُهَا وَيَعْقِدُهَا مَعَ الْكُفَّارِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَقْدُ الْأَمَانِ عَلَى كَوْنِ الْعَاقِدِ مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْأَدْنَى هُوَ أَمَةٌ مُسْلِمَةٌ مَمْلُوكَةٌ لِكَافِرٍ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءُ وَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلْإِزَالَةِ أَيْ مَنْ أَزَالَ خَفَارَةً أَيْ بِأَنْ قَطَعَ ذِمَّتَهُ اهـ رَشِيدِيٌّ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ خَفَرَ بِالْعَهْدِ يَخْفِرُ بِهِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ قَتَلَ إذَا وَفَّى بِهِ وَخَفَرْت الرَّجُلَ حَمَيْته وَأَجَرْته مِنْ طَالِبِهِ فَأَنَا خَفِيرٌ وَالِاسْمُ الْخُفَارَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا وَالْخِفَارَةُ مُثَلَّثَةُ الْخَاءِ جَعْلُ الْخَفِيرِ وَخَفَرْت بِالرَّجُلِ أَخْفِرُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ عَذَرْت بِهِ وَتَخَفَّرْت بِهِ وَأَخْفَرْتُهُ بِالْأَلِفِ نَقَضْت عَهْدَهُ وَخَفِرَ الْإِنْسَانُ خَفَرًا فَهُوَ خَفِيرٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَالِاسْمُ الْخَفَارَةُ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الْحَيَاءُ وَالْوَقَارُ اهـ (قَوْلُهُ غَيْرِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) لَمْ يَقُلْ مُكَلَّفٍ اسْتِغْنَاء بِهِ عَنْهُمَا لَعَلَّهُ لِإِدْخَالِ السَّكْرَانِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ اهـ شَوْبَرِيٌّ

(قَوْلُهُ أَمَانُ حَرْبِيٍّ مَحْصُورٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ نَعَمْ قَيَّدَ ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ بِغَيْرِ الْإِمَامِ أَمَّا هُوَ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ وَنَحْوِ جَاسُوسٍ) الْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ وَالنَّامُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ اهـ ح ل.

وَفِي الْمِصْبَاحِ تَجَسُّسُ الْأَخْبَارِ تَتَبُّعُهَا وَمِنْهُ الْجَاسُوسُ لِأَنَّهُ يَتَتَبَّعُ الْأَخْبَارَ وَيَتَفَحَّصُ عَنْ بَوَاطِنِ الْأُمُورِ اهـ (قَوْلُهُ كَأَهْلِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ) أَيْ وَلَوْ فِي حَالِ الْحَرْبِ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَنَّ عُمَرَ جَهَّزَ جَيْشًا فَنَزَلُوا عَلَى قَرْيَةٍ وَحَانَ لَهُمْ فَتْحُهَا فَبَدَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ وَوَاطَأَ أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَكَتَبَ لَهُمْ أَمَانًا فِي صَحِيفَةٍ وَنَبَذَهُ فِي سَهْمٍ رَمَاهُ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ وَخَرَجُوا بِهِ فَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَأَمْضَاهُ وَلَمْ يُخَالَفْ فَكَانَ إجْمَاعًا اهـ عَمِيرَةُ اهـ سم (قَوْلُهُ أَوْ صَغِيرٍ) إعَادَتُهُ لَا فِي بَعْضِ الْمَعْطُوفَاتِ دُونَ بَعْضٍ نَظَرًا لِلِاتِّحَادِ فِي الْعِلَّةِ وَاخْتِلَافِهَا وَلَمْ يَقُلْ أَوْ صَبِيٍّ رِعَايَةً لِلْمَتْنِ نَظَرًا لِلْغَايَةِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ امْرَأَةً اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا أَمَانُ حَرْبِيٍّ غَيْرِ مَحْصُورٍ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ وَلِلْآحَادِ أَمَانُ مَحْصُورِينَ كَقَلْعَةٍ وَقَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَا غَيْرِ مَحْصُورِينَ كَإِقْلِيمٍ وَجِهَةٍ وَبَلَدٍ بِحَيْثُ يَنْسَدُّ بَابُ الْجِهَادِ انْتَهَتْ قَالَ م ر وَحَيْثُ أَدَّى الْأَمَانُ إلَى انْسِدَادِ بَابِ الْجِهَادِ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ امْتَنَعَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْآحَادِ وَإِلَّا جَازَ لَهُمَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي أَمَانِ الْآحَادِ ظُهُورُ الْمَصْلَحَةِ بَلْ الشَّرْطُ عَدَمُ الضَّرَرِ وَأَمَّا أَمَانُ الْإِمَامِ فَإِنْ أَمَّنَ عَنْ جِهَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>