للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِرْقَاقٍ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُلْحِقَهُ بِمَأْمَنِهِ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ كَالْحَرْبِيِّ وَيُفَارِقُ مَنْ أَمِنَهُ صَبِيٌّ حَيْثُ تُلْحِقُهُ بِمَأْمَنِهِ إنْ ظَنَّ صِحَّةَ أَمَانِهِ بِأَنَّ ذَاكَ يَعْتَقِدُ لِنَفْسِهِ أَمَانًا وَهَذَا فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ مَا أَوْجَبَ الِانْتِقَاضَ أَمَّا لَوْ سَأَلَ تَجْدِيدَ عَهْدٍ فَتَجِبُ إجَابَتُهُ (فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا) أَيْ الْخِيَرَةِ (تَعَيَّنَ مَنٌّ) فَيَمْتَنِعُ الْقَتْلُ وَالْإِرْقَاقُ وَالْفِدَاءُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِ الْإِمَامِ بِالْقَهْرِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ امْتَنَعَ الرِّقُّ.

(وَمَنْ اُنْتُقِضَ أَمَانُهُ) الْحَاصِلُ بِجِزْيَةٍ وَغَيْرَهَا (لَمْ يُنْتَقَضْ أَمَانُ ذَرَارِيِّهِ) إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ نَاقِضٌ وَتَعْبِيرِي بِذَرَارِيِّهِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالنِّسَاءِ أَوْ الصِّبْيَانِ.

(وَمَنْ نَبَذَهُ) أَيْ الْأَمَانَ (وَاخْتَارَ دَارَ الْحَرْبِ بُلِّغَهَا) وَهِيَ مَأْمَنُهُ لِيَكُونَ مَعَ نَبْذِهِ الْجَائِزِ لَهُ خُرُوجُهُ بِأَمَانٍ كَدُخُولِهِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ خِيَانَةٌ وَلَا مَا يُوجِبُ نَقْضَ عَهْدِهِ.

(كِتَابُ الْهُدْنَةِ) مِنْ الْهُدُونِ أَيْ السُّكُونِ وَهِيَ لُغَةً الْمُصَالَحَةُ وَشَرْعًا مُصَالَحَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتُسَمَّى مُوَادَعَةً وَمُهَادَنَةً وَمُعَاهَدَةً وَمُسَالَمَةً وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ١] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: ٦١] «وَمُهَادَنَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ» كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهِيَ جَائِزَةٌ لَا وَاجِبَةٌ (إنَّمَا يَعْقِدُهَا لِبَعْضِ) كُفَّارِ (إقْلِيمٍ وَالِيهِ أَوْ إمَامٌ) وَلَوْ بِنَائِبِهِ (وَلِغَيْرِهِ) مِنْ الْكُفَّارِ كُلِّهِمْ أَوْ كُفَّارِ إقْلِيمٍ كَالْهِنْدِ وَالرُّومِ (إمَامٌ) وَلَوْ بِنَائِبِهِ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْعِظَامِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَرْكِ الْجِهَادِ مُطْلَقًا أَوْ فِي جِهَةٍ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رِعَايَةِ مَصْلَحَتِنَا فَاللَّائِقُ تَفْوِيضُهَا لِلْإِمَامِ مُطْلَقًا أَوْ مَنْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مَصْلَحَةَ

ــ

[حاشية الجمل]

شَرْحُ م ر فَلَوْ طَلَبَ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ لَا نُجِيبُهُ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِ هَذَا وَتَقْيِيدِ الثَّانِي وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَيْدًا فِي الصُّورَتَيْنِ اهـ ح ل بِبَعْضِ تَغْيِيرٍ (قَوْلُهُ وَإِرْقَاقٌ) الْوَاوُ هُنَا وَفِيمَا بَعْدُ بِمَعْنَى أَوْ وَآثَرَهَا لِأَنَّهَا أَجْوَدُ فِي التَّقْسِيمِ عِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ قَالَهُ فِي التُّحْفَةِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ أَمَانُ ذَرَارِيِّهِ) قَالَ فِي الْعُبَابِ فَإِنْ طَلَبَ نِسَاءَهُ دَارَ الْحَرْبِ مُكِّنَ أَوْ صِغَارُهُ فَلَا إلَّا إذَا طَلَبَهُمْ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ وَبِالْبُلُوغِ إنْ طَلَبُوا ذِمَّةً أَوْ تَبْلِيغَ الْمَأْمَنِ أُجِيبُوا اهـ وَكَالنِّسَاءِ الْخَنَاثَى وَكَالصِّبْيَانِ الْمَجَانِينُ وَالْإِفَاقَةُ كَالْبُلُوغِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ سم.

(قَوْلُهُ وَهِيَ مَأْمَنُهُ) أَيْ الْمَحِلُّ الَّذِي يَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَقْرَبِ بِلَادِهِمْ اهـ شَرْحُ م ر.

[كِتَابُ الْهُدْنَةِ]

(كِتَابُ الْهُدْنَةِ) (قَوْلُهُ مِنْ الْهُدُونِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ أَخْذِ الْمَصْدَرِ الْمُجَرَّدِ مِنْ الْمَزِيدِ مَعَ أَنَّهُ عَكْسُ الْقَاعِدَةِ (قَوْلُهُ أَيْ السُّكُونُ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر مِنْ الْهُدُونِ وَهُوَ السُّكُونُ لِسُكُونِ الْفِتْنَةِ بِهَا إذْ هِيَ لُغَةً إلَخْ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ) الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ مُصَالَحَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ إلَخْ وَكَأَنَّهُ عَبَّرَ بِمَا ذُكِرَ قَصْدًا لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ مَعَ كَوْنِ الْمَقْصُودِ مَعْلُومًا فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ الصِّيغَةِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً) تَعْيِينُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ نِهَايَتَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا وَعَشْرُ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا النَّقْصُ عَنْهُمَا فَيَجُوزُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ فَإِذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى عَقْدِهَا سَاعَةً وَاحِدَةً لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا فَإِنْ زِيدَ بَطَلَ فِي الزَّائِدِ أَوْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ مَثَلًا فَكَذَلِكَ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا وَإِلَى عَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِعِوَضٍ) أَيْ يَدْفَعُهُ الْكُفَّارُ (قَوْلُهُ وَتُسَمَّى مُوَادَعَةً) أَيْ مُتَارَكَةً وَمُهَادَنَةً أَيْ مُسَاكَنَةً وَمُسَالَمَةً أَيْ مُصَالَحَةً (قَوْلُهُ وَمُهَادَنَتُهُ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ) وَكَانَتْ سَبَبًا لِفَتْحِ مَكَّةَ لِأَنَّ أَهْلَهَا لَمَّا خَالَطُوا الْمُسْلِمِينَ وَسَمِعُوا الْقُرْآنَ أَسْلَمَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ أَكْثَرُ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَبْلُ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ لَا وَاجِبَةٌ) أَيْ أَصَالَةً وَإِلَّا فَالْأَوْجَهُ وُجُوبُهَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهَا لُحُوقُ ضَرَرٍ بِنَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي اهـ شَرْحُ م ر.

وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَلَوْ طَلَبُوهَا لَمْ تَلْزَمْنَا إجَابَتُهُمْ فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ وُجُوبًا فِي الْأَصْلَحِ مِنْ الْإِجَابَةِ وَالتَّرْكِ انْتَهَتْ

(قَوْلُهُ إنَّمَا يَعْقِدُهَا إلَخْ) عُلِمَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْعَقْدِ اعْتِبَارُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَيْ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْأَمَانِ اهـ عَمِيرَةُ اهـ سم فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَكْفِي عَدَمُ الرَّدِّ عَلَى طَرِيقَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا بُدَّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ مِنْ لَفْظٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِبَعْضِ إقْلِيمٍ) الْإِقْلِيمُ هُوَ الْقِسْمُ وَأَقَالِيمُ الْأَرْضِ أَقْسَامُهَا أَيْ أَقْسَامُ الرَّبْعِ الْمَسْكُونِ مِنْهَا سَبْعَةٌ اهـ شَيْخُنَا.

وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالْإِقْلِيمُ قِيلَ مَأْخُوذٌ مِنْ قُلَامَةِ الظُّفُرِ لِأَنَّهَا قِطْعَةٌ مِنْ الْأَرْضِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَأَحْسَبُهُ عَرَبِيًّا وَقَالَ ابْنُ الْجَوَالِيقِيِّ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ وَالْأَقَالِيمُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ سَبْعَةٌ كُلُّ إقْلِيمٍ يَمْتَدُّ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى نِهَايَةِ الْمَشْرِقِ طُولًا وَيَكُونُ تَحْتَ مَدَارٍ تَتَشَابَهُ أَحْوَالُ الْبِقَاعِ الَّتِي فِيهِ وَأَمَّا فِي الْعُرْفِ فَالْإِقْلِيمُ مَا يُخَصُّ بِاسْمٍ وَيَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ فَمِصْرُ إقْلِيمٌ وَالشَّامُ إقْلِيمٌ وَالْيَمَنُ إقْلِيمٌ وَقَوْلُهُمْ فِي الصَّوْمِ الْعِبْرَةُ بِاتِّحَادِ الْإِقْلِيمِ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُرْفِيِّ (قَوْلُهُ وَإِلَيْهِ) أَيْ الْوَالِي عَلَى الْإِقْلِيمِ فِي جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَالْكَاشِفِ وَالْبَاشَا فَلَا يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ وَلَوْ بِنَائِبِهِ إذْ الْمُرَادُ نَائِبُهُ فِي عَقْدِهَا فَقَطْ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ) أَيْ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ لِأَجْلِ أَنْ تَحْصُلَ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِي الْإِقْلِيمِ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ وَمَا يَتْبَعُهُ وَمِنْ ذَلِكَ الْهُدْنَةُ اهـ شَيْخُنَا

(قَوْلُهُ لِمَا فِيهَا مِنْ تَرْكِ الْجِهَادِ مُطْلَقًا) أَيْ فِي كُلِّ الْجِهَاتِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَهَذَا لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ كُلُّهُمْ أَوْ كُفَّارُ إقْلِيمٍ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا الثَّانِيَةُ أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ أَيْضًا إذْ قَوْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَفْوِيضِ أَيْ تَفْوِيضِهَا فِيمَا ذُكِرَ أَيْ فِي بَعْضِ كُفَّارِ الْإِقْلِيمِ لِمَنْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مَصْلَحَةَ الْإِقْلِيمِ وَقَوْلُهُ وَمَا ذُكِرَ فِيهِ ضَمِيرُهُ رَاجِعٌ لِمَنْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَاَلَّذِي ذُكِرَ فِيهِ أَيْ فِي شَأْنِهِ هُوَ عَقْدُهُ لِبَعْضِ كُفَّارِ الْإِقْلِيمِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ أَوْ مَنْ فَوَّضَ إلَيْهِ إلَخْ) هَذَا التَّعْبِيرُ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ فِعْلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>