للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(كِتَابُ التَّدْبِيرِ)

هُوَ لُغَةً النَّظَرُ فِي الْعَوَاقِبِ وَشَرْعًا (تَعْلِيقُ عِتْقٍ) مِنْ مَالِكٍ (بِمَوْتِهِ) فَهُوَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا وَصِيَّةَ وَلِهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى إعْتَاقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ وَسُمِّيَ تَدْبِيرًا مِنْ الدُّبُرِ لِأَنَّ الْمَوْتَ دُبُرُ الْحَيَاةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَجُلًا دَبَّرَ غُلَامًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَبَاعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَتَقْرِيرُهُ لَهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ (وَأَرْكَانُهُ) ثَلَاثَةٌ (صِيغَةٌ وَمَالِكٌ وَمَحَلٌّ وَشُرِطَ فِيهِ كَوْنُهُ رَقِيقًا غَيْرَ أُمِّ وَلَدٍ) لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ بِجِهَةٍ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ (وَ) شُرِطَ (فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِهِ) وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ إمَّا (صَرِيحٌ) وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ التَّدْبِيرِ (كَأَنْتَ حُرٌّ) بَعْدَ مَوْتِي (أَوْ أَعْتَقْتُك) أَوْ حَرَّرْتُك (بَعْدَ مَوْتِي أَوْ دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ) أَوْ إذَا مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ وَذِكْرُ كَافِ كَأَنْتَ مِنْ زِيَادَتِي (أَوْ كِنَايَةٌ) وَهِيَ مَا يَحْتَمِلُ التَّدْبِيرَ وَغَيْرَهُ (كَخَلَّيْت سَبِيلَك) أَوْ حَبَسْتُك (بَعْدَ مَوْتِي وَصَحَّ) التَّدْبِيرُ (مُقَيَّدًا) بِشَرْطٍ (كَإِنْ) أَوْ مَتَى (مِتَّ فِي ذَا الشَّهْرِ أَوْ الْمَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ) فَإِنْ مَاتَ فِيهِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا (وَمُعَلَّقًا كَإِنْ) أَوْ مَتَى (دَخَلْت) الدَّارَ (فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي) فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَمَاتَ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى يَدْخُلَ.

(وَشُرِطَ) لِحُصُولِ الْعِتْقِ (دُخُولُهُ

ــ

[حاشية الجمل]

[كِتَابُ التَّدْبِيرِ]

(كِتَابُ التَّدْبِيرِ) (قَوْلُهُ النَّظَرُ فِي الْعَوَاقِبِ) أَيْ التَّأَمُّلُ وَالتَّفَكُّرُ فِيهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «التَّدْبِيرُ نِصْفُ الْمَعِيشَةِ» اهـ (قَوْلُهُ مِنْ مَالِكٍ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَالتَّعَالِيقُ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهَا كَمَا لَوْ وَكَّلَ شَخْصٌ آخَرَ فِي تَعْلِيقِ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَشَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ بِمَوْتِهِ) أَيْ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ صِفَةٍ أُخْرَى تُوجَدُ قَبْلَهُ كَمَا سَيَأْتِي اهـ شَيْخُنَا وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَالْمُرَادُ مَوْتُ السَّيِّدِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ صِفَةٍ قَبْلَهُ لَا مَعَهُ وَلَا بَعْدَهُ اهـ (قَوْلُهُ لَا وَصِيَّةَ) أَيْ لِلرَّقِيقِ بِعِتْقِهِ كَمُلَ قِيلَ بِهِ نَظَرًا إلَى أَنَّ إعْتَاقَهُ مِنْ الثُّلُثِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَالرَّبِيعُ وَرَجَّحَهُ جَمْعٌ وَلَوْ قَالَ دَبَّرْت نِصْفَك أَوْ ثُلُثَك صَحَّ وَإِذَا مَاتَ عَتَقَ الْجُزْءُ وَلَا سِرَايَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِعْتَاقِ وَلَوْ قَالَ دَبَّرْت يَدَك أَوْ عَيْنَك فَوَجْهَانِ كَنَظِيرِهِ فِي الْقَذْفِ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ اهـ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَدْبِيرِ الْكُلِّ لِأَنَّ مَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ صَحَّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ مَحَلِّهِ كَالطَّلَاقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ دَبَّرْت ثُلُثَك أَوْ نِصْفَك فَإِنَّهُ تَدْبِيرٌ لِذَلِكَ الْجُزْءِ فَقَطْ وَلَا سِرَايَةَ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ مَعْهُودٌ فِي الشَّائِعِ بِخِلَافِ الْيَدِ وَنَحْوِهَا اهـ ز ي وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر

(قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ وَصِيَّةً لَافْتَقَرَ إلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَّا بِالْبَيْعِ وَنَحْوُهُ بِخِلَافِهَا وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى قَوْلُهُ وَلِهَذَا أَيْ لِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا لَا وَصِيَّةً لَا يَفْتَقِرُ إلَى إعْتَاقٍ أَيْ مِنْ الْوَارِثِ وَلَوْ كَانَ وَصِيَّةً لَافْتَقَرَ إلَى إعْتَاقٍ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَوْتَ دُبُرَ الْحَيَاةِ) وَقِيلَ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ دَبَّرَ أَمْرَ دُنْيَاهُ بِاسْتِخْدَامِهِ وَأَمْرَ آخِرَتِهِ بِإِعْتَاقِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا مَرْدُودٌ إلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي الْأَمْرِ مَأْخُوذٌ مِنْ لَفْظِ الدُّبُرِ أَيْضًا وَكَانَ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي مَعْنَاهُ فَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ عَلَى مَا كَانَ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ دَبَّرَ غُلَامًا) وَاسْمُهُ يَعْقُوبُ وَاسْمُ مُدَبَّرِهِ أَبُو مَذْكُورٍ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ اهـ شَوْبَرِيٌّ

(قَوْلُهُ فَتَقْرِيرُهُ لَهُ) أَيْ عَدَمُ إنْكَارِهِ لَهُ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ لَهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا التَّدْبِيرِ وَكَانَ بَيْعُهُ إمَّا لِغَيْبَةِ السَّيِّدِ أَوْ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ اهـ سم وَبَيْعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ كَانَ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَالنَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ وَبَاعَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَرْسَلَ ثَمَنَهُ إلَى سَيِّدِهِ وَقَالَ لَهُ اقْضِ دَيْنَك اهـ ابْنُ شَرَفٍ عَلَى التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ كَوْنُهُ رَقِيقًا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ غَيْرَ عِتْقٍ يَمْنَعُ بَيْعَهُ كَالرَّهْنِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْإِعْتَاقِ الْحَاصِلِ فِي الْحَيَاةِ وَالْإِعْتَاقِ الْحَاصِلِ بِالْمَوْتِ فِي الْمُدَبَّرِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ (قَوْلُهُ بِجِهَةٍ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ) بِدَلِيلِ أَنَّ عِتْقَهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ الدَّيْنُ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ (قَوْلُهُ إمَّا صَرِيحٌ إلَخْ) أَفَادَ بِذِكْرِ إمَّا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ أَنَّ اللَّفْظَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الصَّرِيحِ بِخِلَافِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِهَا لَا يُسْتَفَادُ إلَّا بِقَوْلِهِ أَوْ كِنَايَةٌ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ كَأَنْتَ حُرٌّ) أَيْ أَوْ يَدُك أَوْ نَحْوُهَا لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَدْبِيرِ الْكُلِّ لِأَنَّ مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ مَحَلِّهِ وَإِنْ دَبَّرَ بَعْضًا مِنْهُ كَرُبْعِهِ وَمَاتَ عَتَقَ ذَلِكَ الرُّبْعُ وَلَمْ يَسْرِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُعْسِرٌ اهـ ح ل وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُعْسِرٌ هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَظْهَرُ إلَّا إنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْمُدَبَّرِ مِلْكًا لِغَيْرِ الْمُدَبَّرِ لِبَعْضِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي مِلْكًا لَهُ لَمْ يَظْهَرْ هَذَا التَّعْلِيلُ لِأَنَّ السِّرَايَةَ لِبَاقِي مِلْكِ الشَّخْصِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى يَسَارِهِ تَأَمَّلْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْبَحْثَ لَا يَرِدُ لِأَنَّ السِّرَايَةَ لَوْ قُلْنَا بِهَا إنَّمَا لِكَوْنِهِ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ وَهُوَ عَقِبَ الْمَوْتِ وَالْبَاقِي مِنْ الْعَبْدِ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ لِلْوَارِثِ فَعَلَى فَرْضِ السِّرَايَةِ إنَّمَا تَكُونُ فِي نَصِيبِ الْوَارِثِ لَا فِي نَصِيبِ الْمَيِّتِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ أَوْ دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ) أَيْ فَلَا تَحْتَاجُ مَادَّةُ التَّدْبِيرِ إلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَ مَوْتِي بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ صَنِيعِهِ (قَوْلُهُ أَوْ حَبَسْتُك) فَإِنْ قُلْت إنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْوَقْفِ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا مَرَّ وَمَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ قُلْت الْوَصِيَّةُ وَالتَّدْبِيرُ مُتَّحِدَانِ أَوْ قَرِيبَانِ مِنْ الِاتِّحَادِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي فَصَحَّتْ نِيَّةُ التَّدْبِيرِ بِصَرَائِحِ الْوَصِيَّةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ ذَلِكَ اهـ حَجّ اهـ س ل (قَوْلُهُ وَصَحَّ مُقَيَّدًا إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَمَحَلُّ صِحَّتِهِ مُقَيَّدًا إنْ أَمْكَنَ وُجُودُ مَا قُيِّدَ بِهِ فَلَوْ قَالَ إنْ مِتَّ بَعْدَ أَلْفِ سَنَةٍ فَأَنْت حُرٌّ فَلَيْسَ بِتَدْبِيرٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ اهـ سم.

(قَوْلُهُ وَشَرَطَ دُخُولَهُ إلَخْ) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ فَوْرًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي وَاعْلَمْ أَنَّ غَيْرَ الْمَشِيئَةِ إلَخْ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>