للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ الْأَيْمَانُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ يَمِينٍ وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْيَدُ الْيُمْنَى وَأُطْلِقَتْ عَلَى الْحَلِفِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِيَدِ صَاحِبِهِ وَفِي الِاصْطِلَاحِ تَحْقِيقُ أَمْرٍ غَيْرِ ثَابِتٍ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا مُمْكِنًا كَحَلِفِهِ لَيَدْخُلَن الدَّارَ أَوْ مُمْتَنِعًا كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَن الْمَيِّتَ صَادِقَةً كَانَتْ أَوْ كَاذِبَةً مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ أَوْ الْجَهْلِ بِهِ وَخَرَجَ بِالتَّحْقِيقِ لَغْوُ الْيَمِينِ فَلَيْسَتْ يَمِينًا وَبِغَيْرِ ثَابِتٍ الثَّالِثُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَمُوتَن لِتَحَقُّقِهِ فِي نَفْسِهِ فَلَا مَعْنَى لِتَحْقِيقِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ وَفَارَقَ انْعِقَادُهَا بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْبِرُّ كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَن الْمَيِّتَ فَإِنَّ امْتِنَاعَ الْحِنْثِ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اللَّهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

[كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ]

ِ قَدَّمَهُمَا عَلَى الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ الْخُصُومِ وَجَمَعَ النُّذُورَ مَعَهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ يَعْقِدُهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ. وَلِأَنَّ بَعْضَ أَقْسَامِ النَّذْرِ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ نَذْرُ اللَّجَاجِ. وَلَا يُقَالُ: كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ الْأَيْمَانِ عَقِبَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا لَا تُوجَدُ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ الدَّعْوَى. لِأَنَّا نَقُولُ: ذَكَرَهَا هُنَا لِتَكُونَ مَعْلُومَةَ الثُّبُوتِ فَيَصِحُّ الْحُكْمُ بِهَا عَلَى مَنْ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (الْأَيْمَانُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَمِنْ الْحِكَمِ إيمَانُ الْمَرْءِ يُعْرَفُ بِأَيْمَانِهِ، وَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْحَلِفِ عَلَى تَصْدِيقِ مَا أُمِرَ بِهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْقُرْآنِ، فِي يُونُسَ فِي قَوْله تَعَالَى: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: ٥٣] وَفِي سَبَأٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: ٣] وَفِي التَّغَابُنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: ٧] .

قَوْلُهُ: (جَمْعُ يَمِينٍ) وَأَرْكَانُ الْيَمِينِ ثَلَاثَةٌ: حَالِفٌ وَمَحْلُوفٌ عَلَيْهِ وَمَحْلُوفٌ بِهِ. فَيُشْتَرَطُ فِي الْحَالِفِ التَّكْلِيفُ وَالِاخْتِيَارُ وَالْقَصْدُ وَفِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاجِبٍ بِأَنْ كَانَ مُحْتَمَلًا أَوْ مُسْتَحِيلًا، وَفِي الْمَحْلُوفِ بِهِ أَنْ يَكُونَ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَأُطْلِقَتْ عَلَى الْحَلِفِ) أَيْ فَيَكُونُ مَجَازًا مُرْسَلًا عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ أَوْ أَنَّهُ مَجَازٌ بِالِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّ شَبَهَ الْيَمِينِ بِالْعُضْوِ الْمَعْرُوفِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا يَحْفَظُ الشَّيْءَ فَالْيَمِينُ تَحْفَظُ الشَّيْءَ الْمَحْلُوفَ بِهِ عَلَى الْحَالِفِ وَالْيَدُ تَحْفَظُ الشَّيْءَ عَلَى صَاحِبِهَا ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِيمَا ذُكِرَ.

قَوْلُهُ: (يَأْخُذُ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا ضَرَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَمِينَهُ عَلَى يَمِينِ صَاحِبِهِ فَسُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا مَجَازًا قَالَ سم: وَسُمِّيَ الْعُضْوُ يَمِينًا لِوُفُورِ قُوَّتِهِ. وَمِنْهُ: {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} أَيْ بِالْقُوَّةِ. قَوْلُهُ: (تَحْقِيقُ أَمْرٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّةَ وَهِيَ اللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ، لَا التَّحْقِيقُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ يَتَسَبَّبُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا اصْطِلَاحٌ وَالْمُرَادُ جَعْلُهُ مُحَقَّقًا أَيْ الْتِزَامُ تَحْقِيقِهِ، وَإِنْ كَانَ تَحْقِيقُهُ مُسْتَحِيلًا فَيَشْمَلُ الْمُسْتَحِيلَ كَمَا فِي سم. وَقَوْلُهُ: تَحْقِيقُ أَمْرٍ أَيْ أَوْ تَوْكِيدُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي وَيَكُونُ الْيَمِينُ أَيْضًا لِلتَّأْكِيدِ. وَقَوْلُهُ: تَحْقِيقُ أَمْرٍ أَيْ بِاسْمٍ مَخْصُوصٍ.

قَوْلُهُ: (مَاضِيًا) كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ مَا دَخَلْت الدَّارَ قَوْلُهُ: (نَفْيًا) تَمْيِيزٌ مِنْ قَوْلِهِ: مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا.

قَوْلُهُ: (مُمْكِنًا) حَالٌ مِنْ أَمْرٍ.

قَوْلُهُ: (لَيَقْتُلَن الْمَيِّتَ) أَوْ لَيَصْعَدَن السَّمَاءَ فَإِنَّهُ يَمِينٌ تَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ حَالًا وَإِنْ صَعِدَ السَّمَاءَ. لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ الِاسْمِ وَحُرْمَتِهِ، شَوْبَرِيٌّ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا صَعِدَ السَّمَاءَ كَمَا قَالَهُ ع ش.

<<  <  ج: ص:  >  >>