للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِك أَيْ أَعْتَصِمُ بِك مِنْ الْخُبُثِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْبَاءِ جَمْعُ خَبِيثٍ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ وَالْمُرَادُ ذُكُورُ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثُهُمْ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْهُمْ فِي الْبِنَاءِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْوَاهُمْ، وَفِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ مَأْوًى لَهُمْ بِخُرُوجِ الْخَارِجِ وَيَقُولُ نَدْبًا عَقِبَ انْصِرَافِهِ «غُفْرَانَك الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي» لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ " أَنَّ نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ وَأَبْقَى فِي مَنْفَعَتَهُ وَأَذْهَبَ عَنِّي أَذَاهُ ".

فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْبَسْمَلَةُ هُنَا عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ التَّعَوُّذَ هُنَاكَ لِلْقِرَاءَةِ، وَالْبَسْمَلَةُ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَدَّمَ التَّعَوُّذَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ لِلسِّتْرِ عَنْ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَالتَّعَوُّذُ مِنْ شَرِّهِمْ بِلَا ارْتِبَاطٍ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمْعٍ لَا يَحْصُلُ تَأْدِيَةُ السُّنَّةِ إلَّا بِتَأْخِيرِ الِاسْتِعَاذَةِ عَنْ الْبَسْمَلَةِ، وَيُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي تَأْخِيرِ الْحَمْدِ عَنْ سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ. اهـ شَرْحُ م ر مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبْثِ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: هَذَا الذِّكْرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إبْلِيسَ نَجِسُ الْعَيْنِ، لَكِنْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: أَنَّهُ طَاهِرُ الْعَيْنِ كَالْمُشْرِكِ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْسَكَ إبْلِيسَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقْطَعْهَا وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أَمْسَكَهُ فِيهَا، وَلَكِنَّهُ نَجِسُ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ الطَّبْعُ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ.

قَوْلُهُ: (غُفْرَانَك) مَنْصُوبٌ بِمَحْذُوفٍ وُجُوبًا، إذْ هُوَ بَدَلٌ مِنْ اللَّفْظِ بِالْفِعْلِ أَيْ: اغْفِرْ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ أَيْ أَسْأَلُك، وَيَصِحُّ الرَّفْعُ أَيْ الْمَطْلُوبُ غُفْرَانُك، وَيُسَنُّ أَنْ يُكَرِّرَ غُفْرَانَك وَمَا بَعْدَهُ ثَلَاثًا كَمَا فِي الدُّعَاءِ عَقِبَ الْوُضُوءِ، وَهَذَا اللَّفْظُ أَعْنِي قَوْلَهُ غُفْرَانَك يَقُولُهُ الْخَارِجُ لَوْ دَخَلَ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ مَعَ مَا يُنَاسِبُ، وَأَمَّا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إلَخْ. فَخَاصٌّ بِقَاضِي الْحَاجَةِ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وع ش عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: غُفْرَانَك الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إلَخْ. هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِقَاضِي الْحَاجَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَقُولُ مَا يُنَاسِبُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَسَبَبُ سُؤَالِهِ الْمَغْفِرَةَ عِنْدَ انْصِرَافِهِ تَرْكُهُ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، أَوْ خَوْفُهُ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ فَأَطْعَمَهُ ثُمَّ هَضَمَهُ ثُمَّ سَهَّلَ خُرُوجَهُ. اهـ. فَإِنْ قِيلَ: تَرْكُ الذِّكْرِ عَلَى الْخَلَاءِ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِغْفَارِ مِنْ تَرْكِهِ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ سَبَبَهُ مِنْ قِبَلِهِ فَالْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ لَمَّا تَسَبَّبَ فِيهِ. اهـ.

قَوْلُهُ: (أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ) أَيْ لَذَّةَ أَصْلِهِ أَيْ الْمَأْكُولِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. وَمِنْ الْآدَابِ مَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَفَقُّهًا: أَنْ لَا يَأْكُلَ وَلَا يَشْرَبَ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَسْتَاكَ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ النِّسْيَانَ شَرْحُ الرَّوْضِ مَعَ زِيَادَةٍ. فَائِدَةٌ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: " إنَّ ابْنَ آدَمَ إذَا جَلَسَ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ يَبُولُ أَوْ يَتَغَوَّطُ جَاءَهُ مَلَكٌ وَقَامَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ اُنْظُرْ إلَى اللُّقْمَةِ الَّتِي أَكَلْتهَا كَيْفَ تَغَيَّرْت عَنْ حَالِهَا بِصُحْبَتِك، فَانْظُرْ إلَى عَاقِبَتِك وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ حَالُك فِي الْقَبْرِ ". اهـ. مِنْ الشَّيْخِ عَبْدِ السَّلَامِ اللَّقَانِيِّ عَلَى الْجَزَائِرِيَّةِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءِ]

ِ. أَيْ فِي بَيَانِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الْوُضُوءُ، فَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى الْأَسْبَابِ أَيْ تَنْتَهِي بِهَا مُدَّةُ الْوُضُوءِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَإِلَّا فَالْوُضُوءُ لَا يَنْتَهِي بِتِلْكَ الْأَسْبَابِ، وَإِنَّمَا يَنْتَهِي بِالْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِهِ، وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ تَنْتَهِي بِهَا الْمُدَّةُ الَّتِي مَكَثَ فِيهَا مُتَوَضِّئًا كَمَا عَلِمْت. قَالَ الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ: وَتَعْبِيرُ الشَّارِحِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمَتْنِ، إذْ النَّقْضُ رَفْعُ الشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ بُطْلَانُ الْعِبَادَةِ الْوَاقِعَةِ حَالَةَ وُضُوئِهِ لِرَفْعِهِ مِنْ أَصْلِهِ. اهـ. وَيُجَابُ عَنْ الْمَتْنِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالنَّاقِضِ. النَّاقِضُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَهُوَ مَا يَنْقُضُ الشَّيْءَ مِنْ وَقْتِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ، وَتَفْسِيرُ النَّاقِضِ بِأَنَّهُ مَا نَقَضَ الشَّيْءَ مِنْ أَصْلِهِ تَفْسِيرٌ لُغَوِيٌّ. وَأَمَّا مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ فَهُوَ نَقْضُ الشَّيْءِ مِنْ وَقْتِ خُرُوجِهِ فَقَطْ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيهٌ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ. اهـ. وَاعْتَرَضَ ق ل

<<  <  ج: ص:  >  >>