للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْتِهَا وَفِي إقْرَارِهِ لِوَارِثِهِ بِهِبَةٍ أَقْبَضَهَا لَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ، وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الصِّحَّةِ وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فَعِنْدَ قَصْدِ الْحِرْمَانِ لَا شَكَّ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَخْذُهُ انْتَهَى. وَالْخِلَافُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِنِكَاحٍ أَوْ عُقُوبَةٍ فَيَصِحُّ جَزْمًا وَإِنْ أَفْضَى إلَى الْمَالِ بِالْعَفْوِ أَوْ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ.

فَصْلٌ

فِي الْعَارِيَّةِ وَهِيَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَقَدْ تُخَفَّفُ اسْمٌ لِمَا يُعَارُ وَلِعَقْدِهَا مِنْ عَارَ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ بِسُرْعَةٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغُلَامِ الْخَفِيفِ عَيَّارٌ لِكَثْرَةِ ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَفَسَّرَ جُمْهُورُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

إقْرَارُهُ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِحِرْمَانِ بَاقِيهِمْ، قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَاخْتَارَ جَمْعٌ عَدَمَ قَبُولِهِ إنْ اُتُّهِمَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، بَلْ قَدْ تَقْطَعُ الْقَرَائِنُ بِكَذِبِهِ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَخْشَى اللَّهَ أَنْ يَقْضِيَ أَوْ يُفْتِيَ بِالصِّحَّةِ وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ قَصْدَهُ الْحِرْمَانُ وَقَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ بِالْحُرْمَةِ حِينَئِذٍ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَخْذُهُ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي إقْرَارِ الزَّوْجَةِ بِقَبْضِ صَدَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا، اهـ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَهُوَ حَسَنٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي إقْرَارِ الزَّوْجَةِ بِقَبْضِ صَدَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهَا) هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ: " وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي مَرَضِهِ لِوَارِثِهِ " فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ نَبَّهَ عَلَيْهَا اهْتِمَامًا بِهَا لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا، وَقَدْ يُقَالُ: مَا مَرَّ فِي إقْرَارِهِ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَهَذَا إقْرَارٌ بِقَبْضِ مَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فِي الصِّحَّةِ) أَيْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ: (لَا يَحِلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَخْذُهُ) يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ قَصَدَ الْمُقِرُّ بِذَلِكَ حِرْمَانَ الْوَرَثَةِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَهُ الْمُقَرَّ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْخِلَافُ فِي الْإِقْرَارِ) أَيْ إقْرَارِ الْمَرِيضِ. قَوْلُهُ: (بِنِكَاحٍ) أَيْ بِأَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (أَوْ عُقُوبَةً) أَيْ مُوجِبُ عُقُوبَةٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَفْضَى إلَى الْمَالِ بِالْعَفْوِ إلَخْ) عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ، فَالْعَفْوُ رَاجِعٌ لِلْعُقُوبَةِ، وَالْمَوْتُ رَاجِعٌ لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَإِنْ وَجَبَ بِالْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَقَرَّرُ إلَّا بِالْمَوْتِ أَوْ الدُّخُولِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَلَمْ يُوجَدْ دُخُولٌ فَيَكُونُ تَقَرُّرُهُ بِالْمَوْتِ.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ) رَاجِعٌ لِلْمَوْتِ أَيْ مَاتَ الزَّوْجُ مَثَلًا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الزَّوْجَةِ الْمَهْرَ.

[فَصْلٌ فِي الْعَارِيَّةِ]

ِ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي كُلِّ إزَالَةٍ مَا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ لِغَيْرِهِ، لَكِنْ فِي الْإِقْرَارِ لَا عَوْدَ وَفِي الْعَارِيَّةِ عَوْدٌ وَذَكَرَهَا فِي التَّحْرِيرِ عَقِبَ الْإِجَارَةِ وَهُوَ أَنْسَبُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ، لَكِنَّ الْإِجَارَةَ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ بِمُقَابِلٍ وَالْعَارِيَّةُ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ بِلَا مُقَابِلٍ، وَلِاتِّحَادِ شَرْطِ مَا يُؤَجَّرُ وَمَا يُعَارُ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا؛ وَلِذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ: كُلُّ مَا جَازَتْ إجَارَتُهُ جَازَتْ إعَارَتُهُ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُ فُرُوعٍ.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ تُخَفَّفُ) وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ: بِوَزْنِ نَاقَةٍ م ر عَارَةٌ ع ش. قَوْلُهُ؛ (اسْمٌ لِمَا يُعَارُ) أَيْ شَرْعًا، وَلِعَقْدِهَا أَيْ فَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا ع ش. وَعِبَارَةُ ح ل: قَوْلُهُ " اسْمٌ لِمَا يُعَارُ " أَيْ لُغَةً وَشَرْعًا أَوْ لُغَةً فَقَطْ أَوْ لُغَةً لِمَا يُعَارُ وَشَرْعًا لِلْعَقْدِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا يُفِيدُ أَنَّ إطْلَاقَهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْعَقْدِ وَمَا يُعَارُ لُغَوِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَحَقِيقَتُهَا الشَّرْعِيَّةُ إبَاحَةُ مَنْفَعَةِ مَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ.

قَوْلُهُ: (إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ بِسُرْعَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا تُرَدُّ لِصَاحِبِهَا بِالسُّرْعَةِ، وَقِيلَ مِنْ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّنَاوُبُ لِتَنَاوُبِ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَارِ أَيْ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ. وَرُدَّ بِأَنَّ عَيْنَ الْعَارِيَّةِ وَاوٌ وَعَيْنَ الْعَارِ يَاءٌ وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ فَرَسًا اهـ قَوْلُهُ: (عَيَّارٌ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ.

قَوْلُهُ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢]

<<  <  ج: ص:  >  >>