للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ تَسْلِيطِ الْمَالِكِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ السَّلْطَنَةِ وَبِأَنَّ الْمَالِكَ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ

فَصْلٌ: فِي الْغَصْبِ

وَهُوَ لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا وَقِيلَ أَخْذُهُ ظَلَمَا جِهَارًا وَشَرْعًا اسْتِيلَاءٌ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ بِلَا حَقٍّ. وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨] أَيْ لَا يَأْكُلْ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَدَخَلَ فِي التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمُعِيرِ) خَرَجَ بِالرُّجُوعِ جَهْلُهُ بِالْمَوْتِ أَوْ الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ فَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ مِنْ الْمَالِكِ حِينَئِذٍ، وَكَذَا لَوْ أَبَاحَ الطَّعَامَ ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ أَكَلَهُ الْمُبَاحُ لَهُ جَاهِلًا بِالرُّجُوعِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْمَنَافِعِ أَضْعَفُ مِنْ إبَاحَةِ الْأَعْيَانِ فَضَيَّقَ فِي الْأَعْيَانِ ز ي. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَهُ شَاةً لِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا أَوْ أَعَارَهُ شَجَرَةً لِأَخْذِ ثَمَرِهَا ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ بَدَلَ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَكَذَا نَقَلَ عَنْ الزِّيَادِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ بَقَاءُ السَّلْطَنَةِ) أَيْ سَلْطَنَةِ الْمُسْتَعِيرِ.

[فَصْلٌ فِي الْغَصْبِ]

ِ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْعَارِيَّةِ لِمُنَاسَبَتِهِ لَهَا فِي الضَّمَانِ فِي الْجُمْلَةِ؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ وَهُوَ كَبِيرَةٌ، قِيلَ: إنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا أَيْ رُبُعَ دِينَارٍ، وَقِيلَ: إنْ بَلَغَهُ وَلَوْ حَبَّةَ بُرٍّ اهـ. وَاعْتَمَدَ م ر الْأَوَّلَ.

قَوْلُهُ: (جِهَارًا) لِإِخْرَاجِ السَّرِقَةِ. قَوْلُهُ: (اسْتِيلَاءً) أَيْ فِي الْوَاقِعِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ، فَالْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ مِنْ جِهَتَيْنِ: أُولَاهُمَا قَوْلُهُ اسْتِيلَاءً يَشْمَلُ الْمَنَافِعَ كَإِقَامَةِ مَنْ قَعَدَ بِمَسْجِدٍ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيلَاءٌ حُكْمًا وَالثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: " بِلَا حَقٍّ " يَشْمَلُ مَا لَوْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ يَظُنُّهُ مَالَهُ وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُقَيَّدٌ بِالْأَخْذِ ظُلْمًا فَيَكُونُ أَخَصَّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، عَلَى خِلَافِ الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَعَمُّ.

قَوْلُهُ: (عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ) وَلَوْ مَنْفَعَةً كَإِقَامَةِ مَنْ قَعَدَ بِمَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَى مَحَلِّهِ، أَوْ غَيْرَ مَالٍ كَكَلْبٍ نَافِعٍ وَزِبْلٍ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: كَإِقَامَةِ مَنْ قَعَدَ بِمَسْجِدٍ أَيْ فَيَصِيرُ أَحَقَّ بِمَحَلِّهِ، فَإِنْ فَارَقَهُ لِعُذْرٍ كَإِجَابَةِ دَاعٍ وَحَدَثٍ وَرُعَافٍ لِيَعُودَ لَمْ يَبْطُلْ اخْتِصَاصُهُ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَتَاعَهُ، وَإِنْ فَارَقَهُ لَا لِعُذْرٍ أَوْ لَهُ لَا لِيَعُودَ بَطَلَ اخْتِصَاصُهُ، وَالْقُعُودُ لِذِكْرٍ أَوْ تَسْبِيحٍ أَوْ سَمَاعِ قُرْآنٍ حُكْمُهُ كَالْجَالِسِ لِلصَّلَاةِ، وَإِذَا اعْتَادَ مَوْضِعًا لِيَقْرَأَ فِيهِ قُرْآنًا أَوْ عِلْمًا شَرْعِيًّا أَوْ يُفْتِيَ فِيهِ فَإِنْ فَارَقَهُ تَارِكًا لِحَقِّهِ أَوْ مُنْتَقِلًا لِغَيْرِهِ بَطَلَ حَقُّهُ وَإِلَّا فَلَا، وَمِثْلُهُ جُلُوسُ الطَّلَبَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُدَرِّسِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَفِيدَ،. اهـ. مُنَاوِيٌّ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ. وَلَيْسَ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ مَا لَوْ مَنَعَ شَخْصًا عَنْ سَقْيِ زَرْعِهِ أَوْ شَجَرِهِ حَتَّى تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَ دَابَّةً فِيهَا لَبَنٌ فَمَاتَ وَلَدُهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْوَلَدَ لِلْفِعْلِ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ إتْلَافُ غِذَائِهِ.

قَوْلُهُ: (الْغَيْرِ) دُخُولُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَى " الْغَيْرِ " قَلِيلٌ فِي اللُّغَةِ كَثِيرٌ فِي أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ عَدَّهُ الْحَرِيرِيُّ لَحْنًا اهـ دَمِيرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (بِلَا حَقٍّ) خَرَجَ الْعَارِيَّةُ وَالسَّوْمُ وَنَحْوُهُمَا؛ زَادَ بَعْضُهُمْ " جِهَارًا " لِإِخْرَاجِ السَّرِقَةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِخُرُوجِهَا بِقَوْلِهِ " اسْتِيلَاءً "؛ لِأَنَّهُ مُنْبِئٌ عَنْ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} [البقرة: ١٨٨] هُوَ مِنْ بَابِ الْكُلِّيَّةِ، أَيْ لَا يَأْكُلْ وَاحِدٌ مِنْكُمْ مَالَ غَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ: قَوْلُهُ لَا يَأْكُلْ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ أَيْ بِالْوَجْهِ الَّذِي لَمْ يُبِحْهُ اللَّهُ لَهُ وَبَيْنَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ أَوْ الْحَالِ مِنْ الْأَمْوَالِ.

قَوْلُهُ: (بِالْبَاطِلِ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَمَّا إذَا كَانَ بِحَقٍّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَالظَّافِرِ بِجِنْسِ حَقِّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ. قَوْلُهُ: (إنَّ دِمَاءَكُمْ) أَيْ سَفْكَ دِمَاءِ بَعْضِكُمْ وَأَكْلَ أَمْوَالِ بَعْضِكُمْ وَالْخَوْضَ فِي أَعْرَاضِ بَعْضِكُمْ، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ فِي الْكُلِّ. وَعِبَارَةُ ع ش: أَيْ إنَّ دِمَاءَ بَعْضِكُمْ إلَخْ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِكُمْ، وَتَرَكَ الشَّارِحُ ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِمَا قَبْلَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>