للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ: فِي الْخُلْعِ وَهُوَ لُغَةً مُشْتَقٌّ مِنْ خَلَعَ الثَّوْبَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِبَاسُ الْآخَرِ قَالَ تَعَالَى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: ١٨٧] فَكَأَنَّهُ بِمُفَارَقَةِ الْآخَرِ نَزَعَ لِبَاسَهُ وَشَرْعًا فُرْقَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَلَوْ بِلَفْظِ مُفَادَاةٍ بِعِوَضٍ مَقْصُودٍ رَاجِعٍ لِجِهَةِ الزَّوْجِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (وَالْخُلْعُ جَائِزٌ عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ) يُقَيَّدُ بِمَا ذُكِرَ، فَخَرَجَ بِمَقْصُودٍ الْخُلْعُ بِدَمٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ رَجْعِيٌّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

[فَصْلٌ فِي الْخُلْعِ]

ذَكَرَهُ عَقِبَ النُّشُوزِ وَالشِّقَاقِ لِتَرَتُّبِهِ عَلَيْهِمَا غَالِبًا، وَإِلَّا فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ بَعْدَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْهُ وَالْعَامُّ يُقَدَّمُ فِي الذِّكْرِ عَلَى الْخَاصِّ. وَلَفْظُ الْخُلْعِ اسْمُ مَصْدَرٍ لَاخْتَلَعَ وَمَصْدَرٌ سَمَاعِيٌّ لَخَلَعَ وَأَمَّا الْمَصْدَرُ الْقِيَاسِيُّ فَهُوَ خَلْعٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ

فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى ... مِنْ ذِي ثَلَاثَةٍ كَرَدَّ رَدَّا

وَأَصْلُ وَضْعِهِ الْكَرَاهَةُ وَقَدْ يُسْتَحَبُّ كَأَنْ كَانَتْ تُسِيءُ عِشْرَتَهَا مَعَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا وَلَا حَرَامًا وَلَا مُبَاحًا وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْجَعَالَةِ مَشُوبٌ بِالْمُعَاوَضَةِ لِأَنَّ بُضْعَ الْمَرْأَةِ فِي مَعْنَى الْمَمْلُوكِ لِلزَّوْجِ بِالْمَهْرِ فَإِذَا خَالَعَهَا فَقَدْ رَدَّ بُضْعَهَا. وَجَوَّزَهُ الشَّارِعُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَهُوَ مُخَلِّصٌ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فِي الْحَلِفِ عَلَى النَّفْيِ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا وَعَلَى الْإِثْبَاتِ الْمُطْلَقِ وَكَذَا الْمُقَيَّدُ عِنْدَ شَيْخِنَا وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ. وَخَالَفَ شَيْخُنَا م ر فِي هَذَا الْقِسْمِ كَحَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَلَا يَخْلُصُ فِيهِ الْخُلْعُ عِنْدَ م ر إنْ وَقَعَ الْخُلْعُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْبِرِّ بِاخْتِيَارِهِ، إلَّا بِأَنْ وَقَعَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَيُتَّجَهُ أَنَّهُ يُخَلِّصُهُ سم عَلَى حَجّ مُلَخَّصًا. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ الْخُلْعُ مُطْلَقًا أَيْ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْقِدَ بَعْدَ الْخُلْعِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا.

قَوْلُهُ: (مِنْ خَلَعَ الثَّوْبَ) قَيَّدَ بِهِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا لِبَاسُ الْآخَرِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْخَلْعِ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ: (لِبَاسُ الْآخَرِ) أَيْ كَلِبَاسِهِ. قَوْلُهُ: (هُنَّ لِبَاسٌ) وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ اللِّبَاسِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُلَاصِقُ صَاحِبَهُ وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُعَانَقَةِ وَالْمُضَاجَعَةِ كَمَا يُلَاصِقُ اللِّبَاسُ صَاحِبَهُ وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا يَسْتُرُ صَاحِبَهُ بِالتَّزَوُّجِ عَمَّا يُكْرَهُ مِنْ الْفَوَاحِشِ كَمَا يَسْتُرُ الثَّوْبُ الْعَوْرَةَ ذَكَرَهُ ابْنُ يَعْقُوبَ عَلَى الْمُخْتَصَرِ، فَاللِّبَاسُ عَلَى الْأَوَّلِ حِسِّيٌّ وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَوِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَكَأَنَّهُ) أَيْ فَصَحَّ كَوْنُهُ مُشْتَقًّا مِنْ الْخَلْعِ بِمَعْنَى النَّزْعِ؛ لَكِنْ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْ تَشْبِيهِ الْمُفَارَقَةِ بِالنَّزْعِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ. وَقَوْلُهُ: " لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ إلَخْ " تَوْطِئَةٌ لِهَذَا. اهـ. شَيْخُنَا.

وَلَا وَجْهَ لِلَفْظِ " كَأَنَّ "؛ لِأَنَّهَا لِلشَّكِّ أَوْ الظَّنِّ وَنَزْعُ الزَّوْجَةِ قَدْ تَحَقَّقَ بِالْفِرَاقِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ " كَأَنَّ " تَأْتِي لِلتَّحْقِيقِ أَوْ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِ " كَأَنَّ " نَظَرًا لِنَزْعِ اللِّبَاسِ الْحِسِّيِّ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: هَذَا يَأْتِي فِي كُلِّ فُرْقَةٍ كَالطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ تُسَمَّى خُلْعًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عِلَّةَ التَّسْمِيَةِ لَا تُوجِبُ التَّسْمِيَةَ. قَوْلُهُ: (فُرْقَةٍ) أَيْ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى فُرْقَةٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَقَرَّرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ نَفْسُ الْفُرْقَةِ لَا دَالُّهَا خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِلْمُحَشِّي؛ وَكَلَامُ الْمُحَشِّي هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْفُرْقَةِ لَا نَفْسِهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِلَفْظِ مُفَادَاةٌ) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُمَا كِنَايَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (بِعِوَضٍ) أَيْ وَلَوْ مَنْفَعَةً أَوْ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا إلَّا فِي خُلْعِ الْأَعْمَى إذَا وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ فَلَا يَثْبُتُ الْمُسَمَّى بَلْ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ. اهـ. مَنُوفِيٌّ. أَمَّا فُرْقَةٌ بِلَا عِوَضٍ أَوْ بِعِوَضٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ كَدَمٍ أَوْ بِمَقْصُودٍ رَاجِعٍ لِغَيْرِ مَنْ ذُكِرَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ خُلْعًا بَلْ يَكُونُ رَجْعِيًّا. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (رَاجِعٍ لِجِهَةِ الزَّوْجِ) فَلَوْ رَجَعَ لَا لِجِهَةِ الزَّوْجِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الْبَرَاءَةِ مِمَّا لَهَا عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ رَجْعِيٌّ، وَهَلْ يُبَرَّأُ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ لَا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>