للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى يُكَفِّرَ

وَلَا تُجْزِئُ كَفَّارَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ خَصْلَتَيْنِ كَأَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَيَصُومَ شَهْرًا أَوْ يَصُومَ شَهْرًا وَيُطْعِمَ ثَلَاثِينَ. فَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ الرَّقَبَةِ صَامَ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ بَعْضَ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُهُ وَلَوْ بَعْضَ مُدٍّ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ، وَالْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَيَبْقَى الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ، وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ كَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا وَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَلَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى رَقَبَةٍ أَعْتَقَهَا عَنْ إحْدَاهُمَا وَصَامَ عَنْ الْأُخْرَى إنْ قَدَرَ وَإِلَّا أَطْعَمَ.

فَصْلٌ: فِي اللِّعَانِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مِنْ الْعَبْدِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْتَقِرَّ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْهُ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ أَوْ لَا، كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَمَعْنَى كَوْنِهَا تَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ أَنَّهَا تَسْتَقِرُّ مُرَتَّبَةً، كَمَا كَانَتْ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى خَصْلَةٍ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَكْثَرَ رَتَّبَ، وَالثَّابِتُ فِي ذِمَّتِهِ الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا فِي التَّنْبِيهِ مِنْ أَنَّ الثَّابِتَ فِي ذِمَّتِهِ الْخَصْلَةُ الْأَخِيرَةُ وَلِمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: مِنْ أَنَّهُ إحْدَى الْخِصَالِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ وَلَوْ تَرَكَ الْجَمِيعَ مَعَ الْقُدْرَةِ، عُوقِبَ عَلَى أَدْنَاهَا أَوْ فَعَلَ الْجَمِيعَ أُثِيبَ عَلَى أَعْلَاهَا فَرْضًا، وَالْبَاقِي يَقَعُ لَهُ نَفْلًا إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ جَمِيعَهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ وَإِلَّا فَلَا تُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الشَّارِعِ بَلْ لَا يَبْعُدُ تَكْفِيرُهُ بِذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَقَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِ الْأَزْهَرِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجَمِيعِ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْجَمِيعَ هُوَ الْوَاجِبُ أَيْ الْكَفَّارَةُ وَيُبَاحُ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ. قُلْت: وَهَلْ مِثْلُ ذَلِكَ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ أَوْ الصَّلَاةِ فَرْضٌ لَا يَضُرُّهُ إلَّا إنْ قَيَّدَ بِالْجَاهِلِ، وَإِلَّا فَيَسْتَوِي مَا هُنَا بِذَاكَ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَالْمُعَادَةِ فَإِنْ نَوَى بِهَا الْفَرْضَ عَلَيْهِ لَا تَنْعَقِدُ فَكَذَا هُنَا اهـ رَحْمَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَطَأُ الْمُظَاهِرُ حَتَّى يُكَفِّرَ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، نَعَمْ إنْ خَافَ الْعَنَتَ جَازَ لَهُ الْوَطْءُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لَكِنْ بِقَدْرِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ خَوْفَ الْعَنَتِ اهـ. عش. بِالْمَعْنَى وَمَا فِي حَاشِيَةِ قل ضَعِيفٌ فَلْيُحْذَرْ.

قَوْلُهُ: (وَيَبْقَى الْبَاقِي) مِنْ جِنْسِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَيَلْزَمُهُ بَقِيَّةُ الْأَمْدَادِ وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا نَظَرَ) أَيْ وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ السُّقُوطِ بِكَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا، وَهُوَ إخْرَاجُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ أَيْ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ أَسْقَطَ مَا بَقِيَ قِيَاسًا عَلَى الْفِطْرَةِ وَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَيَبْقَى الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ إلَخْ. فَقَوْلُهُ: كَوْنُهُ فَعَلَ شَيْئًا أَيْ بِكَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا وَهُوَ بَعْضُ الْكَفَّارَةِ، وَهُوَ بَعْضُ الْأَمْدَادِ فَقَوْلُهُ: وَلَا نَظَرَ رَدٌّ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ صَاحِبَ هَذَا مُتَوَهِّمٌ وَغَالِطٌ، هَذَا وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ سُقُوطِ بَاقِي الْكَفَّارَةِ، لِكَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ لِكَوْنِهِ فَعَلَ بَعْضَهَا لِأَنَّ فِعْلَهُ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ مُحَقَّقٌ لَا مُتَوَهَّمٌ، وَإِنَّمَا الْمُتَوَهَّمُ سُقُوطُ بَاقِيهَا بِفِعْلِ بَعْضِهَا، كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا حف. وَعِبَارَةُ مد وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ كَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا أَيْ وَهُوَ إخْرَاجُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ أَيْ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ مَا بَقِيَ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَلَكِنْ قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ إذَا قَدَرَ، عَلَى الْعِتْقِ أَوْ الصَّوْمِ وَجَبَ لِأَنَّ مَا أَخْرَجَهُ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وَلَعَلَّهُ لَيْسَ مُرَادًا، وَلَوْ شَرَعَ الْمُكَفِّرُ فِي خَصْلَةٍ فَقَدَرَ عَلَى أَعْلَى مِنْهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ لِشُرُوعِهِ فِي الْمَقْصُودِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَهُ ذَلِكَ اهـ. قل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ خَصْلَةٍ وَهِيَ الْإِطْعَامُ فَقَطْ أَتَى بِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ لَا يَتَبَعَّضُ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْقُدْرَةِ عَلَى بَعْضِ عِتْقٍ وَلَا صَوْمٍ وَيَبْقَى الْبَاقِي بِذِمَّتِهِ يُخْرِجُهُ إذَا أَيْسَرَ فَلَوْ بَعْدَ إخْرَاجِ ذَلِكَ الْبَعْضِ عَلَى غَيْرِ الْإِطْعَامِ: كَالرَّقَبَةِ أَوْ الصَّوْمِ، لَمْ يَجِبْ الْإِتْيَانُ بِذَلِكَ لِشُرُوعِهِ فِي الْإِطْعَامِ وَقَوْلُهُ وَيَبْقَى الْبَاقِي مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَتَى بِهِ، وَعُلِمَ مِنْ اسْتِقْرَارِ الْكَفَّارَةِ فِي ذِمَّتِهِ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الظِّهَارِ لَا يَطَأُ حَتَّى يُكَفِّرَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

[فَصْلٌ فِي اللِّعَانِ]

ِ ذَكَرَهُ عَقِبَ الظِّهَارِ، لِأَنَّ اللِّعَانَ قَدْ يَكُونُ حَرَامًا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ كَمَا يَأْتِي. وَكُلٌّ مِنْ اللِّعَانِ وَالظِّهَارِ يَصِحُّ مِنْ الرَّجْعِيَّةِ وَاللِّعَانُ مَصْدَرٌ لِلَاعَنَ كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>