للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ: فِي الْعِدَدِ

جَمْعُ عِدَّةٍ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَدَدِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى عَدَدٍ مِنْ الْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ غَالِبًا وَهِيَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِمُدَّةٍ تَتَرَبَّصُ فِيهَا الْمَرْأَةُ لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا أَوْ لِلتَّعَبُّدِ أَوْ لِتَفَجُّعِهَا عَلَى زَوْجِهَا. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ، وَشُرِعَتْ صِيَانَةً لِلْأَنْسَابِ وَتَحْصِينًا لَهَا مِنْ الِاخْتِلَاطِ رِعَايَةً

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِأَغْلَظِ الْعُقُوبَتَيْنِ وَهِيَ وَاضِحَةٌ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ) لَيْسَ قَيْدًا وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ قَوْلُهُ: (بِحُدُوثِ عِتْقٍ) أَيْ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُحْصَنِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَقَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ، الْوَاجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ فَحُدُوثُ شَيْءٍ مِنْ الشُّرُوطِ أَوْ زَوَالُهُ بَعْدَ الْقَذْفِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ السَّابِقَ وَمُرَادُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: بِحُدُوثِ عِتْقٍ أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الْقَاذِفِ وَالْمَقْذُوفِ وَكَذَا قَوْلُهُ رِقٌّ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ إسْلَامٌ أَيْ فِي الْمَقْذُوفِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ، لِأَنَّ الْقَاذِفَ لَا يَخْتَلِفُ حَدُّهُ بِالْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي الْقَاذِفِ الْمَقْذُوفِ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلَيْنِ.

[فَصْلٌ فِي الْعِدَدِ]

ِ أَخَّرَهَا إلَى هُنَا لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بَعْدَ اللِّعَانِ، وَالطَّلَاقِ وَوَسَّطَ الْإِيلَاءَ وَالظِّهَارَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا كَانَا طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَالْعِدَّةُ اسْمُ مَصْدَرٍ لِاعْتَدَّ وَالْمَصْدَرُ الِاعْتِدَادُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَهِيَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَقَوْلُهُمْ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا، لِأَنَّهَا غَيْرُ ضَرُورِيَّةٍ يَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى بَعْضِ تَفَاصِيلِهَا وَشُرِعَتْ أَصَالَةً، صَوْنًا لِلنَّسَبِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَكُرِّرَتْ الْأَقْرَاءُ الْمُلْحَقُ بِهَا الْأَشْهُرُ مَعَ حُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِوَاحِدٍ اسْتِظْهَارًا أَيْ طَلَبًا لِظُهُورِ مَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ وَهُوَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَاكْتَفِي بِهَا مَعَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ يَقِينَ الْبَرَاءَةِ، لِأَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحِيضُ لِكَوْنِهِ نَادِرًا وَهِيَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَامِلَ تَعْلِيلٌ لِلنَّفْيِ.

وَقَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ أَيْ حَيْضِ الْحَامِلِ، وَالْخِيَانَةُ أَيْ الْكَذِبُ فِي انْقِضَائِهَا مِنْ الْكَبَائِرِ كَمَا فِي الزَّوَاجِرِ.

قَوْلُهُ: (مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَدَدِ) أَيْ لُغَةً وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ: وَهِيَ فِي الشَّرْعِ.

قَوْلُهُ: (غَالِبًا) لَا يَظْهَرُ التَّقْيِيدُ بِالْغَلَبَةِ مَعَ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ مَعَ الْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ اعْتِدَادِ الْأَمَةِ بِشَهْرٍ وَنِصْفِ، كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا. ثُمَّ رَأَيْت الْمَدَابِغِيَّ ذَكَرَ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: غَالِبًا يَرْجِعُ عَلَى عَدَدٍ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ وَضْعِ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ لَا عَدَدَ فِي صُورَتِهِ وَعَنْ عِدَّةِ الْأَمَةِ بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ مَثَلًا اهـ وَمِثْلُهُ عش. قَوْلُهُ: (تَتَرَبَّصُ) التَّرَبُّصُ الِانْتِظَارُ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّمَهُّلُ وَالصَّبْرُ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ جَعْلِهِ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ أَيْ انْتِظَارِ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا فِيمَنْ تَحْبَلُ وَقَوْلُهُ: الْمَرْأَةُ إلَخْ. خَرَجَ بِهَا الرَّجُلُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِ، قَالُوا إلَّا فِي حَالَتَيْنِ الْحَالَةُ الْأُولَى: إذَا كَانَ مَعَهُ امْرَأَةٌ وَطَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا كَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا كَانَ مَعَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ، وَطَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَأَرَادَ التَّزَوُّجَ بِخَامِسَةٍ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْحَالَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اهـ. وَفِي كَوْنِ الْعِدَّةِ وَاجِبَةً عَلَى الرَّجُلِ فِي الْحَالَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْ. وَغَايَتُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجَةِ وَأَنَّ الزَّوْجَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّزَوُّجُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا اهـ. مد عَلَى التَّحْرِيرِ مَعَ زِيَادَةٍ.

قَوْلُهُ: (لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا) أَيْ فِيمَنْ يُولَدُ لَهُ وَقَوْلُهُ أَوْ لِتَفَجُّعِهَا إلَخْ أَيْ: فِي فُرْقَةِ الْمَوْتِ.

وَهَذِهِ أَمْثِلَةُ انْفِرَادِ كُلِّ قِسْمٍ عَنْ الْآخَرِ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ التَّعَبُّدُ مَعَ التَّفَجُّعِ فِي فُرْقَةِ الْمَوْتِ عَمَّنْ لَا يُولَدُ لَهُ أَوْ كَانَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ تَجْتَمِعُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ مَعَ التَّفَجُّعِ فِيمَنْ يُولَدُ لَهُ فِي فُرْقَةِ الْمَوْتِ. وَقَدْ تَجْتَمِعُ الثَّلَاثَةُ كَمَا فِي هَذَا الْمِثَالِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا نَوْعٌ مِنْ التَّعَبُّدِ أَبَدًا وَاجْتِمَاعُ الْأَقْسَامِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ مَأْخُوذٌ، مِنْ ذِكْرِ أَوْ لِأَنَّهَا مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَتُجَوِّزُ الْجَمْعَ، وَالتَّعَبُّدُ هُوَ مَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ عِبَادَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا. فَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ لَا يُقَالُ: فِيهَا تَعَبُّدٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ. غَيْرُ ظَاهِرٍ كَمَا فِي شَرْحِ مَرَّ قَالَ شَيْخُنَا: وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرِفَةِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ إذْ مَا عَدَا وَضْعَ الْحَمْلِ يَدُلُّ عَلَيْهَا ظَنًّا قَوْلُهُ: (أَوْ لِتَفَجُّعِهَا) أَيْ فِيمَنْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَمِثْلُهُ الْمَمْسُوحُ أَوْ بَعْدَهُ وَكَانَ صَبِيًّا أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ، فِيمَا يَأْتِي وَالْمُرَادُ بِالتَّفَجُّعِ التَّحَزُّنُ قَوْلُهُ: (وَشُرِعَتْ إلَخْ) : لَا يَشْمَلُ نَحْوَ الصَّغِيرَةِ وَغَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ حَلَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>