للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَضْلٍ وُجُودٍ، وَكُلُّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ وَالْحَسُودُ لَا يَسُودُ وَسَمَّيْته: (الْإِقْنَاعُ فِي حَلِّ أَلْفَاظِ أَبِي شُجَاعٍ) أَعَانَنِي اللَّهُ تَعَالَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْجُمْلَةُ مُفَسِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَفِيهِ وَضْعُ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِلِاعْتِنَاءِ وَالِاهْتِمَامِ.

قَوْلُهُ: (فِي الْفَضَائِلِ) أَيْ وَالْفَوَاضِلِ فَفِيهِ اكْتِفَاءٌ، أَوْ الْمُرَادُ، بِالْفَضَائِلِ مَا يَشْمَلُ الْفَوَاضِلَ.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ تَظْفَرُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ بَابِ تَعِبَ أَيْ تَفُوزُ النَّاسُ.

قَوْلُهُ: (بِمَا) أَيْ بِشَيْءٍ أَوْ بِاَلَّذِي تَرَكَهُ الْأَوَائِلُ قَالَ ق ل: لَوْ قَالَ بِمَا لَمْ تُدْرِكْهُ الْأَوَائِلُ لَكَانَ أَنْسَبَ، إذْ التَّرْكُ فَرْعٌ عَنْ مَعْرِفَةِ الْمَتْرُوكِ وَلَيْسَ مُرَادًا. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَبَّرَ ذَلِكَ تَأَدُّبًا أَوْ بِأَنَّهُ رَاعَى الْمَثَلَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ: كَمْ تَرَكَ الْأَوَّلُ لِلْآخِرِ " وَكَمْ " فِي كَلَامِهِ خَبَرِيَّةٌ لِلتَّكْثِيرِ وَلَا يُنَافِيهِ الْإِتْيَانُ " بِقَدْ " التَّقْلِيلِيَّةِ فَمَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَوَائِلَ لَمْ تُدْرِكْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً ظَفِرَ بِبَعْضِهَا الْمُتَأَخِّرُونَ م د.

قَوْلُهُ: (بِمَا لَمْ تُدْرِكْهُ الْأَوَائِلُ) يُقَالُ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ هَلْ تَرَكَتْهُ الْأَوَائِلُ فَلَمْ يُصَنِّفُوهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرُوهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ أَوْ عَلِمُوهُ، لَكِنْ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُمْ ذِكْرُهُ أَوْ تَصْنِيفُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَاخِرِ وَالْأَوَائِلِ الْجِنْسُ، فَإِنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لِلْأَوَاخِرِ عَلَى جَمِيعِ أَقْوَالِ الْأَوَائِلِ الْمُصَنَّفَةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى يُقَالَ: إنَّ الْأَوَائِلَ تَرَكُوهُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ.

[مَبْحَثُ الْحَسَدِ وَالْغِبْطَةِ وَالْقَنَاعَةِ]

قَوْلُهُ: (مِنْ فَضْلٍ) أَيْ خَيْرٍ كَامِلٍ وَقَوْلُهُ: (وُجُودٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ أَيْ كَرَمٍ كَذَلِكَ فَالتَّنْوِينُ فِيهِمَا لِلْكَمَالِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ خَلْقِهِ حِينَئِذٍ الْمُؤْمِنِينَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَكُلُّ ذِي نِعْمَةٍ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (نِعْمَةٍ) قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: النِّعْمَةُ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْإِحْسَانُ وَتُجْمَعُ النِّعْمَةُ عَلَى نَعْمَاءَ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ وَالنِّعْمَةُ مُلَائِمٌ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ وَمِنْ ثَمَّ لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ بَلْ هُوَ مَرْزُوقٌ وَبِفَتْحِ النُّونِ التَّنَعُّمُ وَهُوَ خِصْبُ الْعَيْشِ وَلِينُهُ وَبِضَمِّهَا الْمَسَرَّةُ قَوْلُهُ: (مَحْسُودٌ) أَيْ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْمُعْتَرِضِينَ عَلَيَّ الَّذِينَ يَذُمُّونَنِي وَيَذُمُّونَ كَلَامِي.

قَوْلُهُ: (وَالْحَسُودُ) أَيْ الْحَاسِدُ فَالْمُبَالَغَةُ لَيْسَتْ مُرَادَةً.

قَوْلُهُ: (لَا يَسُودُ) أَيْ لَا تَحْصُلُ لَهُ سِيَادَةٌ، وَسَبَبُهُ أَنَّهُ كَانَ يُنْسَبُ الْحَكَمُ الْعَدْلُ لِلْجَوْرِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ هَذَا لَا يَسْتَحِقُّ تِلْكَ النِّعْمَةَ الَّتِي هُوَ مُتَلَبِّسٌ وَمُخَلَّدٌ فِيهَا وَلِذَا قِيلَ:

أَلَا قُلْ لِمَنْ بَاتَ لِي حَاسِدًا ... أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْت الْأَدَبْ

أَسَأْت عَلَى اللَّهِ فِي فِعْلِهِ ... كَأَنَّك لَمْ تَرْضَ لِي مَا وَهَبْ

وَقَدْ وَرَدَ: «إنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» وَقَالَ آخَرُ:

إنْ يَحْسُدُونِي فَإِنِّي غَيْرُ لَائِمِهِمْ ... قَبْلِي مِنْ النَّاسِ أَهْلُ الْفَضْلِ قَدْ حُسِدُوا

فَدَامَ لِي وَلَهُمْ مَا بِي وَمَا بِهِمْ ... وَمَاتَ أَكْثَرُنَا غَيْظًا بِمَا يَجِدُ

مَبْحَثُ الْحَسَدِ وَالْغِبْطَةِ وَالْقَنَاعَةِ وَالْمُرَادُ: الْحَسَدُ الْمَذْمُومُ وَهُوَ تَمَنِّي زَوَالِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ بِأَنْ يَكْرَهَهَا لِلْغَيْرِ وَيُحِبَّ زَوَالَهَا عَنْهُ فَإِنْ اشْتَهَيْت لِنَفْسِك مِثْلَهَا مَعَ بَقَائِهَا لِصَاحِبِهَا فَهِيَ غِبْطَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَسَمَّيْته) الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ أَوْ عَاطِفَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ وَضَعْته وَسَمَّيْته أَيْ الشَّرْحَ بِالْإِقْنَاعِ، وَفِي هَذَا إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يَكْفِي مَنْ قَنَعَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَالْقَنَاعَةُ أَعَزُّ أَوْصَافِ الْإِنْسَانِ وَالْمُتَّصِفُ بِهِ أَعَزُّ النَّاسِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -:

عَزِيزُ النَّفْسِ مَنْ لَزِمَ الْقَنَاعَهْ ... وَلَمْ يَكْشِفْ لِمَخْلُوقٍ قِنَاعَهْ

أَفَادَتْنِي الْقَنَاعَةُ كُلَّ عِزٍّ ... وَهَلْ عِزٌّ أَعَزُّ مِنْ الْقَنَاعَهْ

فَصَيِّرْهَا لِنَفْسِك رَأْسَ مَالٍ ... وَصَيِّرْ بَعْدَهَا التَّقْوَى بِضَاعَهْ

لِتَغْنَى فِي حَيَاتِك عَنْ لَئِيمٍ ... وَتَظْفَرَ بِالْجِنَانِ بِصَبْرِ سَاعَهْ

وَاعْلَمْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْكُتُبِ مِنْ حَيِّزِ عَلَمِ الْجِنْسِ، وَأَسْمَاءَ الْعُلُومِ مِنْ حَيِّزِ عَلَمِ الشَّخْصِ.

قَوْلُهُ: (فِي حَلِّ أَلْفَاظٍ) شَبَّهَ الْأَلْفَاظَ بِشَيْءٍ مَعْقُودٍ وَحَذَفَ الْمُشَبَّهَ بِهِ وَأَثْبَتَ لَهُ شَيْئًا مِنْ لَوَازِمِهِ وَهُوَ الْحَلُّ، فَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ وَإِضَافَةُ الْأَلْفَاظِ إلَى أَبِي شُجَاعٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>