للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا» .

فَصْلٌ: فِي الْأُضْحِيَّةِ

مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّحْوَةِ وَسُمِّيَتْ بِأَوَّلِ زَمَانِ فِعْلِهَا وَهُوَ الضُّحَى وَهِيَ بِضَمِّ هَمْزَتِهَا وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ يَائِهَا وَتَخْفِيفِهِمَا مَا يُذْبَحُ مِنْ النَّعَمِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] فَإِنَّ أَشْهَرَ الْأَقْوَالِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ، صَلَاةُ الْعِيدِ وَبِالنَّحْرِ الضَّحَايَا، وَخَبَرُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ عَمَلٍ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ إرَاقَةِ الدَّمِ إنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» (وَالْأُضْحِيَّةُ) بِمَعْنَى التَّضْحِيَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَا الْأُضْحِيَّةِ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُهُ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ اسْمٌ لِمَا يُضَحَّى بِهِ. (سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّنَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

[فَصْلٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ]

ِ ذَكَرَهَا بَعْدَ الْأَطْعِمَةِ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِالنَّعَمِ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ النَّعَمِ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ وَأَوَّلُ طَلَبِهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ كَالْعِيدَيْنِ وَزَكَاةِ الْمَالِ وَالْفِطْرِ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهَا، وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا. وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ فِعْلُهَا مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ وَتُسَنُّ مِنْ مَالِهِ عَنْ الْمَوْلُودِ لَا عَنْ الْجَنِينِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَسُمِّيَتْ بِأَوَّلِ زَمَانِ فِعْلِهَا) أَيْ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ مِنْ اسْمِ أَوَّلِ زَمَانِ فِعْلِهَا. وَهُوَ الضُّحَى أَوْ الْمَعْنَى سُمِّيَتْ بِاسْمٍ يُلَوِّحُ وَيُشِيرُ لِأَوَّلِ زَمَانِ فِعْلِهَا.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ بِضَمِّ هَمْزَتِهَا) حَاصِلُهُ: أَنَّ فِيهَا ثَمَانَ لُغَاتٍ: ضَمُّ الْهَمْزَةِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، وَكَسْرُ الْهَمْزَةِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، وَمَعَ حَذْفِ الْهَمْزَةِ لُغَتَانِ: فَتْحُ الضَّادِ وَكَسْرُهَا، وَأَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا.

قَوْلُهُ: (تَقَرُّبًا) خَرَجَ مَا يَذْبَحُهُ الْجَزَّارُ لِلْبَيْعِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ) يَصْدُقُ بِمَا ذُبِحَ قَبْلَ مُضِيِّ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا يَأْتِي وَالْمُرَادُ بِيَوْمِ الْعِيدِ الْيَوْمُ الَّذِي يُعَيَّدُ فِيهِ حَتَّى لَوْ وَقَفُوا الْعَاشِرَ غَلَطًا كَانَ آخَرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الرَّابِعَ عَشَرَ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر خِلَافًا لِلشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) أَيْ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ عَمَلٍ) أَيْ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَيْهِ مِنْ النَّوَافِلِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْفَرْضَ أَفْضَلُ.

قَوْلُهُ: (أَحَبَّ) مَجْرُورٌ بِالْفَتْحَةِ نَعْتًا لِعَمَلٍ.

قَوْلُهُ: (مِنْ إرَاقَةِ الدَّمِ) الْمُرَادُ لَازِمُهُ وَهُوَ الذَّبْحُ.

قَوْلُهُ: (إنَّهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةَ الْمَفْهُومَةَ مِنْ إرَاقَةِ الدَّمِ وَقَوْلُهُ: لَتَأْتِي أَيْ لِيَرْكَبَهَا صَاحِبُهَا يَدُلُّ لِذَلِكَ وُرُودُهُ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ.

قَوْلُهُ: (بِمَكَانٍ) أَيْ لَهُ مَوْقِعٌ عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْقَبُولِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (نَفْسًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ وَالْأَصْلُ فَلْتَطِبْ نُفُوسُكُمْ بِهَا أَيْ افْعَلُوهَا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ.

قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى التَّضْحِيَةِ) الَّتِي هِيَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ الْمَوْصُوفِ بِالسُّنَّةِ إذْ كَثِيرًا مَا تُطْلَقُ الْأُضْحِيَّةُ وَيُرَادُ بِهَا الْفِعْلُ الْمُتَقَرَّبُ بِهِ. قَوْلُهُ: (لَا الْأُضْحِيَّةُ) أَيْ لَا بِمَعْنَى الْأُضْحِيَّةِ أَيْ الْعَيْنِ الْمُضَحَّى بِهَا إذْ لَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْهَا بِسُنَّةٍ.

قَوْلُهُ: (كَلَامُهُ) وَهُوَ قَوْلُهُ سُنَّةٌ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ إلَخْ عِلَّةٌ لِلتَّضْحِيَةِ.

قَوْلُهُ: (سُنَّةٌ) أَيْ لِمُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ حُرٍّ وَلَوْ مُبَعَّضًا؛ وَتُسَنُّ لِلْمُكَاتَبِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَيَحْصُلُ ثَوَابُهَا لِمَنْ فَعَلَهَا وَلَوْ فَقِيرًا أَوْ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي أَوْ امْرَأَةً وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَنْ كِفَايَةِ مُمَوِّنِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَمَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ قَالَهُ الْعَلَّامَةُ م ر كَابْنِ حَجَرٍ. وَاعْتَبَرَ الْعَلَّامَةُ الزِّيَادِيُّ كِفَايَةَ يَوْمِ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ. وَعَمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ كَعْكٍ وَسَمَكٍ وَفَطِيرٍ وَنَحْوِهَا وَقَوْلُهُ: سُنَّةٌ فِيهِ تَلْوِيحٌ لِمُخَالَفَةِ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ أَوْجَبَهَا عَلَى مَالِكِ نِصَابٍ زَكَوِيٍّ. وَهُوَ مُقِيمٌ بِالْبَلَدِ وَلَا تَصِيرُ وَاجِبَةً إلَّا بِالنَّذْرِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (فِي حَقِّنَا) مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ وَوَاجِبَةٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ لَهُ أُضْحِيَّةٌ مَنْدُوبَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>