للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ

وَهِيَ بِكَسْرِ الْكَافِ وَالْأَشْهَرُ لُغَةً الضَّمُّ وَالْجَمْعُ لِأَنَّ فِيهَا ضَمَّ نَجْمٍ إلَى نَجْمٍ وَالنَّجْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَقْتِ أَيْضًا الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ مَالُ الْكِتَابَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَسُمِّيَتْ كِتَابَةً لِلْعُرْفِ الْجَارِي بِكِتَابَةِ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ يُوَافِقُهُ وَشَرْعًا عَقْدُ عِتْقٍ بِلَفْظِهَا بِعِوَضٍ مُنَجَّمٍ بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَلَفْظُهَا إسْلَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] وَخَبَرُ «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ،

وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا

. (وَالْكِتَابَةُ مُسْتَحَبَّةٌ) لَا وَاجِبَةٌ وَإِنْ طَلَبَهَا الرَّقِيقُ قِيَاسًا عَلَى التَّدْبِيرِ وَشِرَاءِ الْقَرِيبِ، وَلِئَلَّا يَتَعَطَّلَ أَثَرُ الْمِلْكِ وَتَتَحَكَّمَ الْمَمَالِيكُ عَلَى الْمَالِكِينَ وَإِنَّمَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

[فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ]

ِ ذَكَرَهَا بَعْدَ التَّدْبِيرِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي كُلٍّ مُعَلَّقٌ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ وَهُنَا مُعَلَّقًا بِأَدَاءِ النُّجُومِ. قِيلَ: أَوَّلُ مَنْ كُوتِبَ عَبْدٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَيَّةَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ س ل. وَلَفْظُهَا إسْلَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ جَاهِلِيٌّ وَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ. قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ وَبَعْضُهُ فِي ق ل. وَرَأَيْت بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَيْضًا بِدَلِيلِ مُكَاتَبَةِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ اهـ. وَالْكِتَابَةُ خَارِجَةٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْمُعَامَلَاتِ لِدَوَرَانِهَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ وَلِأَنَّهَا بَيْعُ مَالِهِ وَهُوَ رَقَبَةُ عَبْدِهِ بِمَالِهِ، وَهُوَ الْكَسْبُ أَيْ الْمَكْسُوبُ وَهُوَ النُّجُومُ وَأَيْضًا فِيهَا ثُبُوتُ مَالٍ فِي ذِمَّةِ قِنٍّ لِمَالِكِهِ ابْتِدَاءً وَثُبُوتُ مِلْكٍ لِلْقِنِّ اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يَتَوَقَّفُ عَلَى صِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ إلَّا السَّلَمُ وَالنِّكَاحُ وَالْكِتَابَةُ اهـ فَالْمُرَادُ بِالصِّيغَةِ الْمَخْصُوصَةِ الْجِنْسُ وَهِيَ فِي النِّكَاحِ زَوَّجْتُك وَأَنْكَحْتُك فَقَطْ. وَفِي السَّلَمِ لَفْظُ السَّلَمِ وَالسَّلَفِ لَا غَيْرُ وَالْبَيْعُ وَنَحْوُهُ لَهُمَا صِيَغٌ كَثِيرَةٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَشْهَرِ) مُقَابِلُهُ أَنَّهَا بِفَتْحِهَا كَالْعَتَاقَةِ.

قَوْلُهُ: (لُغَةً الضَّمُّ وَالْجَمْعُ) فَتَكُونُ مُرَادِفَةً لِلْكِتَابِ لُغَةً اهـ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِيهَا ضَمَّ نَجْمٍ إلَخْ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَوْجِيهًا لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْآتِي فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ إلَى هُنَاكَ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا التَّعْلِيلَ م ر فِي شَرْحِهِ عِلَّةً لِلتَّسْمِيَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ.

وَشَرْعًا عَقْدُ إلَخْ وَعِبَارَتُهُ وَشَرْعًا عَقْدُ عِتْقٍ بِلَفْظِهَا بِعِوَضٍ مُنَجَّمٍ بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ وَسُمِّيَ كِتَابَةً لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ نَجْمٍ إلَى آخَرَ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُوَثَّقُ بِهَا غَالِبًا اهـ. بِالْحَرْفِ وَمِثْلُهُ شَرْحُ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ يُوَثَّقُ بِهَا أَيْ يُكْتَبُ لَهَا وَثِيقَةٌ فَقَوْلُهُ: وَسُمِّيَتْ إلَخْ الْمُنَاسِبُ أَوْ سُمِّيَتْ لِيَكُونَ عِلَّةً أُخْرَى لِلتَّسْمِيَةِ فَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ تَأْخِيرَ قَوْلِهِ: وَسُمِّيَتْ عَنْ ذِكْرِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ تَوْجِيهٌ لَهُ فَيَكُونُ لَهُ تَوْجِيهَانِ. قَوْلُهُ: (لِلْعُرْفِ الْجَارِي إلَخْ) تَقَدَّمَ قَوْلُهُ لِمَا فِيهَا مِنْ ضَمِّ إلَخْ فَلِلتَّسْمِيَةِ عِلَّتَانِ.

قَوْلُهُ: (بِكِتَابَةِ ذَلِكَ) أَيْ مَضْمُونِ ذَلِكَ الْعَقْدِ فِي كِتَابٍ يُوَافِقُهُ أَيْ يُوَافِقُ ذَلِكَ أَيْ مَضْمُونَهُ.

قَوْلُهُ: (يُوَافِقُهُ) أَيْ يُطَابِقُ ذَلِكَ مِنْ مُطَابَقَةِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى. قَوْلُهُ: (عَقْدُ عِتْقٍ) أَيْ عَقْدٌ يُفْضِي إلَى الْعِتْقِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ السَّبَبِ لِلْمُسَبِّبِ.

قَوْلُهُ: مُنَجَّمٌ أَيْ مُؤَقَّتٌ بِنَجْمَيْنِ أَيْ وَقْتَيْنِ وَيُطْلَقُ النَّجْمُ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يُؤَدَّى فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ} [النور: ٣٣] أَيْ يَطْلُبُونَ الْكِتَابَ أَيْ الْكِتَابَةَ.

قَوْلُهُ: (خَيْرًا) أَيْ أَمَانَةً وَاكْتِسَابًا أَيْ عَلِمْتُمْ أَمَانَتَهُمْ وَقُدْرَتَهُمْ عَلَى الِاكْتِسَابِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا) أَيْ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ لَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِالْعِتْقِ مَجَّانًا وَالْعَبْدُ لَا يَتَشَمَّرُ لِلْكَسْبِ تَشْمِيرَهُ إذَا عُلِّقَ عِتْقُهُ بِالتَّحْصِيلِ وَالْأَدَاءِ فَاحْتُمِلَ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهَا كَمَا اُحْتُمِلَتْ الْجَهَالَةُ فِي رِبْحِ الْقِرَاضِ وَعَمَلِ الْجِعَالَةِ لِلْحَاجَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهَا الْقِيَاسُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (لَا وَاجِبَةٌ) ذَكَرَهُ مَعَ اسْتِفَادَتِهِ مِمَّا قَبْلَهُ، تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: وَلِئَلَّا يَتَعَطَّلَ أَثَرُ الْمِلْكِ. لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِنَفْيِ الْوُجُوبِ وَتَوْطِئَةً لِلْغَايَةِ أَيْضًا أَوْ لِلرَّدِّ صَرِيحًا عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ لِلْوُجُوبِ اهـ. ع ش مُلَخَّصًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>