للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ: فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ (وَالِاغْتِسَالَاتُ الْمَسْنُونَةُ) كَثِيرَةٌ الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا (سَبْعَةَ عَشَرَ غُسْلًا) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ وَسَأَذْكُرُ الْأَوَّلَ مِنْ السَّبْعَةَ عَشَرَ (غُسْلُ الْجُمُعَةِ) لِمَنْ يُرِيدُ حُضُورَهَا وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ» . وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ» .

وَرُوِيَ: «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» أَيْ مُتَأَكِّدٌ وَصَرَفَ هَذَا عَنْ الْوُجُوبِ خَبَرُ: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.

وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ عَلَّقَتْهُ بِالْيَوْمِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

[فَصْلٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ]

ِ قَوْلُهُ: (فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ) اُنْظُرْ لِمَ غَيَّرَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَقُلْ فِي الِاغْتِسَالَاتِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَمْعُ قِلَّةٍ، وَلَعَلَّهُ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ.

قَوْلُهُ: (الْمَسْنُونَةُ) الْأَوْلَى الْمَسْنُونَاتُ؛ لِأَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ لِمَا لَا يَعْقِلُ الْأَفْصَحُ فِيهِ الْمُطَابَقَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ:

وَجَمْعُ كَثْرَةٍ لِمَا لَا يَعْقِلُ ... الْأَفْصَحُ الْإِفْرَادُ فِيهِ يَأْفُلُ

فِي غَيْرِهِ فَالْأَفْصَحُ الْمُطَابَقَةْ ... نَحْوُ هِبَاتٍ وَافِرَاتٍ لَائِقَةْ

وَاسْتَعْمَلَ هُنَا جَمْعَ الْقِلَّةِ فِي الْكَثْرَةِ. قَوْلُهُ: (سَبْعَةَ عَشَرَ) أَيْ بَعْدَ غَسْلِ الطَّوَافِ غُسْلَيْنِ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ أَوْ بَعْدَ غُسْلِ رَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ غُسْلَيْنِ نَظَرًا لِلتَّعْجِيلِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّهَا سِتَّةَ عَشَرَ فَقَطْ. وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ لِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَغْسَالِ، كَمَا يُسَنُّ لِلْوَاجِبِ، وَيُسَنُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ، وَلَوْ فَاتَتْ هَذِهِ الْأَغْسَالُ لَمْ تُقْضَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (لِمَنْ يُرِيدُ حُضُورَهَا) وَإِنْ حَرُمَ حُضُورُهُ كَامْرَأَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ حَلِيلِهَا. قَالَ ع ش: وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَلَّفِ وَمَنُوطٌ بِوَلِيِّ غَيْرِهِ لَكِنْ هَلْ الْعِبْرَةُ بِإِرَادَةِ الْوَلِيِّ الْحُضُورَ أَوْ الصَّبِيِّ أَوْ هُمَا، وَالْأَقْرَبُ النَّظَرُ إلَى حُضُورِ الْوَلِيِّ وَإِرَادَةِ حُضُورِ الصَّبِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ) كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ. قَوْلُهُ: (إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَخْ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ إذَا جَاءَ فَلْيَغْتَسِلْ أَنَّ الْغُسْلَ يَعْقُبُ الْمَجِيءَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا التَّقْدِيرُ: إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ وَلَفْظُهُ: «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمَا أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ» وَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَأَخُّرِ الرَّوَاحِ عَنْ الْغُسْلِ وَذُكِرَ الْمَجِيءُ فِي قَوْلِهِ: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ» الْجُمُعَةَ لِلْغَالِبِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ شَامِلٌ لِمُجَاوِرِ الْجَامِعِ وَمَنْ هُوَ مُقِيمٌ بِهِ وَالْمَجِيءُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ فِي الْجَامِعِ يَحْصُلُ بِأَنْ يَتَهَيَّأَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَمَا قَالَهُ الْبَابِلِيُّ، وَفِي قَوْلِهِ: أَحَدُكُمْ تَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ بِدَلِيلِ خَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ: «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ» .

قَوْلُهُ: (وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ إلَخْ) أَتَى بِالْحَدِيثِ الثَّانِي لِشُمُولِهِ سَنَّ الْغُسْلِ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَلِمَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ، وَلِأَجْلِ قَوْلِهِ فِيهِ: وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا؛ إذْ الْأَوَّلُ مَخْصُوصٌ بِالرِّجَالِ، وَفِيهِ أَمْرٌ فَاحْتَاجَ الشَّارِحُ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْحَدِيثِ الثَّانِي لِيُبَيِّنَّ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (وَرُوِيَ: غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ) وَعِنْدَ مَالِكٍ: غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ، وَبِهِ قَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ.

قَوْلُهُ: (وَصَرْفُ هَذَا) أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ. وَضَابِطُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ مَا يُشْرَعُ لِسَبَبٍ مَاضٍ كَانَ وَاجِبًا كَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْمَوْتِ، وَمَا شُرِعَ لِمَعْنًى فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ مُسْتَحَبًّا كَاغْتِسَالِ الْحَجِّ وَاسْتَثْنَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ الثَّانِي الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَكَذَا الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْإِسْلَامُ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (مَنْ تَوَضَّأَ إلَخْ) وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ تَيَمَّمَ تَيَمُّمًا عَنْ الْحَدَثِ وَتَيَمُّمًا عَنْ الْغُسْلِ، وَهَلْ يَكْفِي عَنْهُمَا وَاحِدٌ بِنِيَّتِهِمَا كَالْغُسْلِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تَيَمُّمَيْنِ؟ فِيهِ نَظَرٌ سم قَالَ ق ل: وَيَظْهَرُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْغُسْلِ.

قَوْلُهُ: (فَبِهَا) أَيْ فَبِالسُّنَّةِ أَيْ بِمَا جَوَّزَتْهُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوُضُوءِ أَخَذَ أَيْ عَمِلَ وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ الْوُضُوءُ، فَالضَّمِيرُ فِي بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>