للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَوْرَدَ فِي ذَلِكَ خَبَرًا فَجَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَمِيعَ ذَلِكَ لِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلِأُمَّتِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَلِكَثْرَةِ الْأُجُورِ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ

وَلَمَّا كَانَتْ الظُّهْرُ أَوَّلَ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهَا فَقَالَ.

(الظُّهْرُ) أَيْ صَلَاتُهُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ أَيْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ وَسَطَ النَّهَارِ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، فَلِمَ لَمْ يَبْدَأْ بِالصُّبْحِ؟ أُجِيبَ: بِجَوَابَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ حَصَلَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ أَوَّلَ وُجُوبِ الْخَمْسِ مِنْ الظُّهْرِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. الثَّانِي: أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالصَّلَاةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى بَيَانِهَا وَلَمْ تُبَيَّنْ إلَّا عِنْدَ الظُّهْرِ. وَلَمَّا صَدَّرَ الْأَكْثَرُونَ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْبَابَ بِذِكْرِ الْمَوَاقِيتِ؛ لِأَنَّ بِدُخُولِهَا تَجِبُ الصَّلَاةُ وَبِخُرُوجِهَا تَفُوتُ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْعَصْرَ لِسُلَيْمَانَ وَقِيلَ لِيُونُسَ وَقِيلَ لِلْعُزَيْرِ، وَالْمَغْرِبَ لِعِيسَى وَقِيلَ كَانَتْ لِدَاوُدَ وَقِيلَ لِيَعْقُوبَ، وَالْعِشَاءَ لِمُوسَى وَقِيلَ لِيُونُسَ وَقِيلَ خُصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ.

[وَقْتَ الظُّهْرِ]

قَوْلُهُ: (وَقَدْ بَدَأَ إلَخْ) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ. أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى كَانَتْ، فَالْبُدَاءَةُ بِالظُّهْرِ مُعَلَّلَةٌ بِعِلَّةٍ مُرَكَّبَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ مُعَلَّلَةٌ بِعِلَّتَيْنِ عَلَى الثَّانِي، وَتَقْدِيرُ الْعِبَارَةِ وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالظُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ، وَالْحَالُ أَنَّ اللَّهَ بَدَأَ بِهَا، أَوْ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ بَدَأَ بِهَا، وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ أَيْضًا بَدَأَ بِالصُّبْحِ فِي قَوْلِهِ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} [ق: ٣٩] إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ نَزَلَتْ أَوَّلًا لِبَيَانِ الْأَوْقَاتِ.

قَوْلُهُ: (لِدُلُوكِ) أَيْ عِنْدَ زَوَالِ إلَخْ. وَالدُّلُوكُ الْمَيْلُ.

قَوْلُهُ: (أَيْ صَلَاتُهُ) كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي، وَفِيهِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ اسْمٌ لِلصَّلَاةِ، وَكَذَا مَا يَأْتِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَسُمِّيَتْ إلَخْ. وَبِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَوَقْتُهَا إلَخْ. فَلَوْ سَكَتَ عَنْ هَذَا التَّفْسِيرِ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ تَفْسِيرٌ بِالْأَوْضَحِ، وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَمَّى إلَى الِاسْمِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا كَانَ الظُّهْرُ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى وَقْتِ الزَّوَالِ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ صَلَاتُهُ. قَوْلُهُ: (سُمِّيَتْ إلَخْ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ الْحَالِيَّةُ، وَقِيلَ إنَّ التَّسْمِيَةَ بِالْوَضْعِ وَالْوَاضِعُ هُوَ اللَّهُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي بَاقِي الصَّلَوَاتِ.

قَوْلُهُ: (ظَهَرَتْ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ أَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ كَانَتْ لِدَاوُدَ.

قَوْلُهُ: (فَلِمَ لَمْ يَبْدَأْ) أَيْ النَّبِيُّ أَوْ جِبْرِيلُ لَا الْمُصَنِّفُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْجَوَابُ.

قَوْلُهُ: (الْأَوَّلُ أَنَّهُ حَصَلَ التَّصْرِيحُ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ تُفِيدُ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِمَا ذُكِرَ قَدْ وَرَدَ وَعِبَارَةُ م ر: وَإِنَّمَا بَدَأَ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ أَوَّلَ صَلَاةٍ حَضَرَتْ الصُّبْحُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَصَلَ لَهُ التَّصْرِيحُ. قَوْلُهُ: (الْبَابُ) الْأُولَى الْكِتَابُ.

قَوْلُهُ: (الْمَوَاقِيتُ) جَمْعُ مِيقَاتٍ أَصْلُهُ مِوْقَاتٌ مِنْ الْوَقْتِ وَهُوَ لُغَةً مُطْلَقُ الزَّمَنِ وَاصْطِلَاحًا جُزْءٌ مِنْ الزَّمَنِ مَحْدُودُ الطَّرَفَيْنِ وَإِنَّمَا بَدَءُوا بِالْمَوَاقِيتِ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ شُرُوطِهَا؛ لِأَنَّ بِدُخُولِهَا تَجِبُ إلَخْ م د. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بِدُخُولِهَا) اسْمُ أَنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهَا إنْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَّلِهِ، وَهَذَا غَيْرُ الْعَزْمِ الْعَامِّ عِنْدَ الْبُلُوغِ أَنَّهُ يَفْعَلُ جَمِيعَ الْوَاجِبَاتِ وَيَتْرُكُ جَمِيعَ الْمُحْرِمَاتِ ق ل. وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ.

قَوْلُهُ: (تَجِبُ الصَّلَاةُ) أَيْ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَسَعُهَا. فَإِنْ أَرَادَ تَأْخِيرَهَا إلَى أَثْنَاءِ وَقْتِهَا لَزِمَهُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. وَتَجِبُ الصَّلَاةُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا أَيْ إنْ عَزَمَ فِي أَوَّلِهِ عَلَى فِعْلِهَا فِيهِ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ فِعْلِهَا، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُهَا، وَالْحَجُّ مُوَسَّعٌ وَلَكِنَّهُ يَأْثَمُ بِالْمَوْتِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ وَقْتِهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَأُبِيحَ لَهُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُبَادِرَهُ الْمَوْتُ، فَإِنْ بَادَرَهُ كَانَ مُقَصِّرًا بِخِلَافِ آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمُوتُ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ كَأَنْ لَزِمَهُ قَوَدٌ فَطَالَبَهُ وَلِيُّ الدَّمِ بِاسْتِيفَائِهِ فَأَمَرَهُ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ تَعَيَّنَتْ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِهِ فَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>