للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْوَسَائِلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقَاصِدِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ وَأَوَّلُهُ الْفَجْرُ كَبَعْدِهِ فِي الْحُرْمَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا حَرُمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْيَوْمِ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ السَّعْيُ قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ وَسُنَّ لِغَيْرِ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَوْ بِمَحَلِّهَا جَمَاعَةٌ فِي ظَاهِرِهِ وَإِخْفَاؤُهَا إنْ خَفِيَ عُذْرُهُ لِئَلَّا يُتَّهَمَ بِالرَّغْبَةِ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَسُنَّ لِمَنْ رَجَا زَوَالَ عُذْرِهِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ كَعَبْدٍ يَرْجُو الْعِتْقَ تَأْخِيرُ ظُهْرِهِ إلَى فَوَاتِ الْجُمُعَةِ، أَمَّا مَنْ لَا يَرْجُو زَوَالَ عُذْرِهِ كَامْرَأَةٍ فَتَعْجِيلُ الظُّهْرِ أَفْضَلُ لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ شُرُوطُ الصِّحَّةِ فَقَالَ: (وَشَرَائِطُ) صِحَّةِ (فِعْلِهَا) مَعَ شُرُوطِ غَيْرِهَا (ثَلَاثَةٌ) بَلْ ثَمَانِيَةٌ كَمَا سَتَرَاهَا؛ الْأَوَّلُ: (أَنْ تَكُونَ الْبَلَدُ) أَيْ أَنْ تُقَامَ فِي خُطَّةِ أَبْنِيَةِ أَوْطَانِ الْمُجَمِّعِينَ مِنْ الْبَلَدِ سَوَاءٌ الرِّحَابُ الْمُسْقَفَةُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقْتٍ مَخْصُوصٍ لِأَمْرٍ لَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَاَلَّذِينَ يُرِيدُونَ زِيَارَةَ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْبَدْوِيِّ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ فَيُرِيدُونَ السَّفَرَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي رَكْبٍ وَالسَّفَرُ فِيهِ يُفَوِّتُ جُمُعَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَكِنْ يُوجَدُ غَيْرُهُ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ فِيمَا يَلِيهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ مَعَهُ التَّمَكُّنُ مِنْ السَّفَرِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الظُّهْرَ يَتَكَرَّرُ) أَيْ فَخُفِّفَ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَقَبْلَ الزَّوَالِ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ كَبَعْدِهِ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ، لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَبْلَ وَبَعْدَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ تَلْزَمُ النَّصْبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ تُجَرُّ بِمِنْ، وَهُنَا جُرَّتْ بِالْكَافِ وَجُعِلَتْ مُبْتَدَأً وَالْمُبْتَدَأُ لَازِمٌ لِلرَّفْعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَيْسَ مُبْتَدَأً حَقِيقَةً بَلْ صِفَةَ الْمُبْتَدَأِ وَالتَّقْدِيرُ، وَالسَّفَرُ قَبْلَ الزَّوَالِ إلَخْ وَقَوْلُهُ كَبَعْدِهِ التَّقْدِيرُ كَالسَّفَرِ بَعْدَهُ، فَلَمْ يُدْخِلْ الْكَافَ عَلَى بَعْدَ وَلَعَلَّ فِيهِ خِلَافًا حَتَّى فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ مَعَ كَوْنِ الْحُكْمِ وَاحِدًا وَإِلَّا فَكَانَ الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ السَّفَرُ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَبِفَجْرٍ حَرُمَ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ سَفَرٌ تَفُوتُ بِهِ لَا إنْ خَشِيَ ضَرَرًا اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلِذَلِكَ) أَيْ لِكَوْنِهَا مُضَافَةً لِلْيَوْمِ، وَالْمُرَادُ بِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ نِسْبَتُهَا إلَيْهِ فَالْإِضَافَةُ لُغَوِيَّةٌ وَإِلَّا فَالْيَوْمُ مُضَافٌ إلَيْهَا نَحْوُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَوْلُهُ: (يَجِبُ السَّعْيُ قَبْلَ الزَّوَالِ) وَقَدْ صَحَّ «مَنْ سَافَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَا عَلَيْهِ مَلَكَاهُ فَيَقُولَانِ: لَا نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْ سَفَرِهِ، وَلَا أَعَانَهُ عَلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ» قَالَهُ م ر الْكَبِيرُ وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف.

قَوْلُهُ: (عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ) أَيْ مِنْ حِينِ الْفَجْرِ كَذَا قَالُوهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبْلَهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ إلَّا بِهِ حَجّ ز ي وَشَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (إنْ خَفِيَ عُذْرُهُ) وَالْعُذْرُ الْخَفِيُّ كَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْخَوْفِ مِنْ الْغَرِيمِ وَالْخَوْفِ مِنْ الْعُقُوبَةِ وَفَقْدِ الْمَرْكُوبِ اللَّائِقِ وَالْوَحْلِ وَالْمَطَرِ. قَوْلُهُ: (وَسُنَّ لِمَنْ رَجَا زَوَالَ عُذْرِهِ) أَيْ رَجَا قَرِيبًا ع ش قَوْلُهُ: (إلَى فَوَاتِ الْجُمُعَةِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَزُولُ عُذْرُهُ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ فَرْضِ أَهْلِ الْكَمَالِ أج. وَيَحْصُلُ الْفَوَاتُ بِرَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ق ل. فَإِنْ قُلْتَ: يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْيَأْسُ إلَّا بِالسَّلَامِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ. قُلْتُ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْجُمُعَةَ ثَمَّ لَازِمَةٌ فَلَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالسَّلَامِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَذَكَّرَ الْإِمَامُ تَرْكَ شَيْءٍ يُوجِبُ الْقِيَامَ لِلرُّكُوعِ فَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ حِينَئِذٍ وَلَا كَذَلِكَ مَا هُنَا إذْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ أج.

[شُرُوطُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

قَوْلُهُ: (أَنْ تَكُونَ الْبَلَدُ فَقَالَ) أَيْ أَنْ تُوجَدَ الْأَبْنِيَةُ الْمُجْتَمِعَةُ. وَقَوْلُهُ مِصْرًا كَانَتْ أَوْ قَرْيَةً بَيَانٌ لِلْبَلَدِ بِمَعْنَى الْأَبْنِيَةِ وَهَذَا مَا سَلَكَهُ الشِّهَابُ الْعَبَّادِيُّ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا سَلَكَهُ الشَّارِحُ، إذْ مَا سَلَكَهُ سم يَنْدَفِعُ بِهِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْمَتْنُ مِنْ الْإِيهَامِ إذْ الْبَلَدُ لَا يَكُونُ مِصْرًا أَوْ قَرْيَةً إلَّا بِالتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، أَعْنِي تَأْوِيلَهَا بِالْأَبْنِيَةِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ يُطْلَقُ الْبَلَدُ وَالْبَلْدَةُ عَلَى كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ عَامِرًا كَانَ أَوْ خَلَاءً اهـ. وَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إلَى تَأْوِيلٍ وَمَا ذَكَرَهُ سم مِنْ تَأْوِيلِهِ الْبَلَدَ بِالْأَبْنِيَةِ. وَقَوْلُ شَيْخِنَا. الْبَلَدُ لَا تَكُونُ مِصْرًا أَوْ قَرْيَةً إلَّا بِالتَّأْوِيلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ قَوْلُهُ: (فِي خِطَّةِ أَبْنِيَةِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ أَرْضٌ خُطَّ عَلَيْهَا أَعْلَامٌ لِلْبِنَاءِ فِيهَا وَالتَّعْبِيرُ بِالْخِطَّةِ لِلْجِنْسِ فَيَشْمَلُ الْوَاحِدَ إذَا كَثُرَ فِيهَا عَدَدٌ مُعْتَبَرٌ شَرْحُ م ر وَقَالَ ق ل لَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ خِطَّةٍ لَكَانَ أَوْلَى إذْ الْخِطَّةُ عَلَامَاتُ الْأَبْنِيَةِ قَبْلَ وُجُودِهَا وَلَيْسَتْ كَافِيَةً وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ الْخِطَّةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْبِنَاءِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ إضَافَةَ خِطَّةٍ لِلْأَبْنِيَةِ بَيَانِيَّةٌ شَيْخُنَا وَشَمِلَتْ الْأَبْنِيَةُ مَا لَوْ كَانَتْ مِنْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (الْمُجَمِّعِينَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>