للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَتِمَّةٌ: يُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَتَضَرَّعَ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الزَّلَازِلِ وَنَحْوِهَا، كَالصَّوَاعِقِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالْخَسْفِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِئَلَّا يَكُونَ غَافِلًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا»

فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ هُوَ لُغَةً طَلَبُ السُّقْيَا، وَشَرْعًا طَلَبُ سُقْيَا الْعِبَادِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الِاتِّبَاعُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا، وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ} [البقرة: ٦٠] الْآيَةُ (وَصَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ لَيْلَةَ السَّبْتِ لِثَمَانِ لَيَالٍ مِنْ شَهْرِ شَوَّالٍ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ وَدَامَتْ ثَلَاثَ دَرَجٍ فَغَرِقَ مِنْهَا سُفُنٌ كَثِيرَةٌ وَمَاتَ خَلْقٌ كَثِيرُونَ فِي الْبَحْرِ؛ خَتَمَ اللَّهُ لَنَا بِخَاتِمَةِ السَّعَادَةِ قَوْلُهُ: (وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الرِّيَاحَ أَرْبَعٌ: الصَّبَا وَهِيَ مِنْ تُجَاهِ الْكَعْبَةِ أَيْ قُدَّامِهَا، وَالدَّبُّورُ مِنْ وَرَائِهَا، وَالشِّمَالُ مِنْ جِهَةِ شِمَالِهَا، وَالْجَنُوبُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهَا. وَلِكُلٍّ مِنْهَا طَبْعٌ، فَالصَّبَا حَارَّةٌ يَابِسَةٌ، وَالدَّبُّورُ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ، وَالْجَنُوبُ حَارَّةٌ رَطْبَةٌ، وَالشِّمَالُ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ، فَإِذَا أَرَدْت فَأَسْنِدْ ظَهْرَك لِبَابِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّ الشِّمَالَ عَنْ شِمَالِك. وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ أَنَّهَا سَبْعَةٌ؛ لِأَنَّ مَا زِيدَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ يَرْجِعُ إلَيْهَا. وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

صَبًّا وَدَبُورٌ وَالْجَنُوبُ وَشَمْأَلٌ ... هِيَ الْأَرْبَعُ اللَّاتِي تَهُبُّ لِكَعْبَةِ

فَمِنْ وَجْهِهَا رِيحُ الصَّبَا وَهِيَ حَارَّةٌ ... وَيَابِسَةٌ عَكْسُ الدَّبُورِ لِحِكْمَةِ

فَيُمْنَى جَنُوبٌ حَارَّةٌ وَهِيَ رَطْبَةٌ ... شِمَالٌ بِعَكْسٍ لِلْجَنُوبِ وَتَمَّتْ

جَمْعُ الرِّيحِ أَرْوَاحٌ وَرِيَاحٌ. وَالْهَوَاءُ بِالْمَدِّ: الرِّيحُ الْهَابَّةُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالْهَوَى بِالْقَصْرِ: الْعِشْقُ وَالْمَحَبَّةُ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ تَأْتِي فِي غَيْرِ الْكُسُوفَيْنِ كَالزَّلَازِلِ، لَكِنْ فُرَادَى لَا جَمَاعَةً ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. وَتَقَدَّمَ عَنْ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِذَلِكَ صَلَاةٌ بَلْ إنَّمَا يُطْلَبُ الدُّعَاءُ عِنْدَهَا فَحَرِّرْهُ.

قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَكُونَ) عِلَّةٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ " غَافِلًا " أَيْ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُ " لِأَنَّهُ إلَخْ " سَقَطَ مِنْهُ الْعَاطِفُ. قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا) أَيْ رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا أَيْ عَذَابًا إلَخْ. اُنْظُرْ وَجْهَ هَذِهِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجَمْعِ حَيْثُ جَعَلَهُ بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ وَجَعَلَ الْمُفْرَدَ بِمَعْنَى الْعَذَابِ مَعَ أَنَّ الرِّيَاحَ جَمْعُ رِيحٍ وَالرِّيحُ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لِشَفَقَةِ النَّبِيِّ يُجْعَلُ دُعَاءَهُ بِالرِّيَاحِ لِطَلَبِ الرَّحْمَةِ وَدُعَاءَهُ بِدَفْعِ الرِّيحِ بِمَعْنَى الْعَذَابِ، وَإِنَّمَا كَانَ الرِّيَاحُ لِطَلَبِ الرَّحْمَةِ لِأَنَّهَا تَكُونُ بَحَرِيَّةً وَغَرْبِيَّةً وَشَرْقِيَّةً وَقِبْلِيَّةً فَاخْتِلَافُهَا سَبَبٌ لِرَحْمَةِ النَّاسِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ يَطْلُبُ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْهَا.

[فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

ِ وَشُرِعَتْ صَلَاتُهُ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ. قَوْلُهُ: (طَلَبُ السُّقْيَا) فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلطَّلَبِ، وَالسُّقْيَا إعْطَاءُ الْمَاءِ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا) لَهُمْ أَوْ لِغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذِّبِ: يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْخِصْبِ أَنْ يَدْعُوا لِأَهْلِ الْجَدْبِ؛ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلصَّلَاةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تُشْرَعُ لَكِنْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ كَالْإِمَامِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ بِجَوَازِ فِعْلِهَا، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ الْإِجَابَةُ اسْتَسْقَوْا وَصَلَّوْا ثَانِيًا وَثَالِثًا، فَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ التَّكْرَارَ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى آكَدُ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ: قَالَ أَصْبَغُ: اُسْتُسْقِيَ بِمِصْرَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً وَحَضَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>