للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: ٣٤] وَالْكَنْزُ هُوَ الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ.

(وَنِصَابُ الذَّهَبِ) الْخَالِصِ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ (عِشْرُونَ مِثْقَالًا) بِالْإِجْمَاعِ بِوَزْنِ مَكَّةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ مَكَّةَ» وَهَذَا الْمِقْدَارُ تَحْدِيدٌ فَلَوْ نَقَصَ فِي مِيزَانٍ وَتَمَّ فِي أُخْرَى فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْأَصَحِّ لِلشَّكِّ فِي النِّصَابِ، وَالْمِثْقَالُ لَمْ يَتَغَيَّرْ جَاهِلِيَّةً وَلَا إسْلَامًا وَهُوَ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً وَهِيَ شَعِيرَةٌ مُعْتَدِلَةٌ لَمْ تُقَشَّرْ وَقُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا دَقَّ وَطَالَ (وَفِيهِ) أَيْ نِصَابِ الذَّهَبِ (رُبْعُ الْعُشْرِ وَهُوَ نِصْفُ مِثْقَالٍ) تَحْدِيدًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا شَيْءٌ، وَفِي عِشْرِينَ نِصْفُ دِينَارٍ» (وفِيمَا زَادَ) عَلَى النِّصَابِ (بِحِسَابِهِ) وَلَوْ يَسِيرًا (وَنِصَابُ الْوَرِقِ) وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْفِضَّةُ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ (مِائَتَا دِرْهَمٍ) خَالِصَةً بِوَزْنِ مَكَّةَ تَحْدِيدًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» وَالْأُوقِيَّةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِالنُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَهُ فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

ِ قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْإِجْمَاعِ) وَأَمَّا بَعْدَ الْإِجْمَاعِ فَالدَّلِيلُ هُوَ الْإِجْمَاعُ لِأَنَّهُ قَطْعِيٌّ قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ إلَخْ) وَجْهُ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَنَّهُ تَوَعُّدٌ عَلَى عَدَمِ الزَّكَاةِ بِالْعَذَابِ وَالْوَعِيدُ عَلَى الشَّيْءِ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَتْرُكُوا الزَّكَاةَ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَدُّوا الزَّكَاةَ، وَهُوَ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ.

قَوْلُهُ: (وَالْكَنْزُ هُوَ إلَخْ) يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٣٤] فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ قَوْلُهُ: (مَا دَقَّ) أَيْ مَا كَانَ دَقِيقًا رَفِيعًا قَوْلُهُ: (وَفِيمَا زَادَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَفِيهِ " أَيْ وَيَجِبُ فِيمَا زَادَ رُبْعُ عُشْرِهِ، لَكِنَّ الْوَاجِبَ فِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ لَا يَتَقَيَّدُ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ، فَقَوْلُهُ " فَبِحِسَابِهِ " مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَالْفَاءُ دَاخِلَةٌ فِي جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ: فَإِذَا وَجَبَ فِيمَا زَادَ فَالْوَاجِبُ بِحِسَابِ الزَّائِدِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّ النِّصَابَ فِي الْبَنَادِقَةِ وَالْفَنَادِقَةِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا ثُلُثًا؛ لِأَنَّ الْبُنْدُقِيَّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَالْمِثْقَالَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا وَالْقِيرَاطَ ثَلَاثُ شَعِيرَاتٍ، فَكُلُّ ثَلَاثِ مَثَاقِيلَ أَرْبَعَةُ بَنَادِقَةٍ؛ وَالْفُنْدُقْلِيُّ كَالْبُنْدُقِيِّ فِي الْوَزْنِ، لَكِنَّهُ أَيْ الْفُنْدُقْلِيَّ لَيْسَ سَالِمًا مِنْ الْغِشِّ وَالْبُنْدُقِيُّ سَالِمٌ مِنْ الْغِشِّ.

وَفِي الْمَحَابِيبِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ مَحْبُوبًا كَامِلَةً. وَالدَّرَاهِمُ الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ فَتَكُونُ الْأَوَاقِي الْخَمْسُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وَقَدْ كَانَ فِي السَّابِقِ دِرْهَمٌ يُقَالُ لَهُ الْبَغْلِيُّ وَكَانَ ثَمَانِيَةَ دَوَانِقَ، وَدِرْهَمٌ يُقَالُ لَهُ الطَّبَرِيُّ أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ؛ فَالدَّرَاهِمُ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أُخِذَ نِصْفُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ سِتَّةُ دَوَانِقَ وَجُعِلَ دِرْهَمًا فِي زَمَنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَالسُّبْكِيِّ: وَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِجْمَاعُ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَمَنِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَيَجِبُ تَأْوِيلُ خِلَافِ ذَلِكَ م ر. وَأَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدَّرَاهِمَ فِي الْإِسْلَامِ الْحَجَّاجُ بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَكَتَبَ عَلَيْهَا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: ٢] أَيْ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْ الدَّرَاهِمِ: {اللَّهِ أَحَدٌ} [الجن: ٢٢] وَعَلَى وَجْهِهِ الثَّانِي: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: ٢] .

وَلَمْ تُوجَدْ الدَّرَاهِمُ الْإِسْلَامِيَّةُ إلَّا فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ ذَلِكَ رُومِيَّةً وَكِسْرَوِيَّةً، وَفِي زَمَنِ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَنْصِرِ بِاَللَّهِ وَهُوَ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ ضَرَبَ الدَّرَاهِمَ وَسَمَّاهَا النُّقْرَةَ وَكَانَتْ كُلُّ عَشَرَةٍ بِدِينَارٍ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ كَمَا فِي سِيرَةِ الْحَلَبِيِّ.

قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ الرَّاءِ) مَعَ فَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا، وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا: رِقَّةٌ، بِحَذْفِ الْوَاوُ وَتَعْوِيضِ الْهَاءِ عَنْهَا قَوْلُهُ: (خَمْسِ أَوَاقٍ) بِقَصْرِ الْهَمْزَةِ بِوَزْنِ جَوَارٍ قَوْلُهُ: (أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) أَيْ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَقَدْ حَدَثَ لِلنَّاسِ عُرْفٌ آخَرُ فَجَعَلُوهَا عِبَارَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>