للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْحَجِّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ وَهُوَ لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ كَمَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

[كِتَابُ الْحَجِّ]

ِّ أَيْ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرْجَمَ شَيْئًا وَزَادَ عَلَيْهِ وَلَا يُعَدُّ عَيْبًا ع ش. وَأَعْمَالُهُ كُلُّهَا تَعَبُّدِيَّةٌ، وَقَدْ يَذْكُرُ لَهَا بَعْضَ حُكْمٍ. وَاخْتَصَّ وُجُودُهُ بِأَفْضَلَ الْبِلَادِ ق ل. وَهُوَ آخِرُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَأَخَّرَهُ عَنْ الصَّوْمِ نَظَرًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ وَلِكَثْرَةِ أَفْرَادِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَاقْتِدَاءً بِالْحَدِيثِ. وَأَرْكَانُ الْإِسْلَامِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: بَدَنِيٌّ مَحْضٌ كَالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَمَالِيٌّ مَحْضٌ كَالزَّكَاةِ، وَمَرْكَبٌ مِنْهُمَا وَهُوَ الْحَجُّ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمَالَ خَارِجٌ عَنْ الْحَجِّ لِأَنَّ الْحَجَّ كُلَّهُ أَعْمَالٌ. وَاعْتَرَضَ أَيْضًا كَوْنُ الزَّكَاةِ مَالِيًّا مَحْضًا لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ لِلنِّيَّةِ. وَالْحَجُّ يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ حَتَّى التَّبَعَاتِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إنْ مَاتَ فِي حَجِّهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهَا كَمَا قَالَهُ ز ي، قَالَ ع ش: وَتَكْفِيرُهُ لِمَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ لِإِثْمِ الْإِقْدَامِ لَا لِسُقُوطِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا غَصَبَ مَالًا أَوْ قَتَلَ نَفْسًا ظُلْمًا وَعُدْوَانًا غُفِرَ لَهُ إثْمُ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا ذَكَرَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ إنْ تَمَكَّنَ، وَإِلَّا فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ، وَمِثْلُهُ سَائِرُ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ. وَهُوَ بَعِيدٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ ز ي، وَكَلَامُ الزِّيَادِيِّ هُوَ الْمَشْهُورُ. وَسَأَلَ م ر عَنْ مُرْتَكِبِ الْكَبَائِرِ الَّذِي لَمْ يَتُبْ مِنْهَا إذَا حَجَّ: هَلْ يَسْقُطُ وَصْفُ الْفِسْقِ وَأَثَرُهُ كَرَدِّ الشَّهَادَةِ أَوْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى تَوْبَةٍ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّوْبَةِ مِمَّا فَسَقَ بِهِ اهـ. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: وَلَوْ قُلْنَا بِتَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِأُمُورِ الْآخِرَةِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ شَهَادَةً بَعْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ سَنَةً اهـ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ: وَحِكْمَةُ تَرَكُّبِ الْحَجِّ مِنْ الْحَاءِ وَالْجِيمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحَاءَ مِنْ الْحِلْمِ وَالْجِيمُ مِنْ الْجُرْمِ، فَكَأَنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ: يَا رَبِّ جِئْتُك بِجُرْمِي أَيْ ذَنْبِي لِتَغْفِرَهُ بِحِلْمِك اهـ. وَلِلْحَجِّ فَضَائِلُ لَا تُحْصَى: مِنْهَا خَبَرُ: «مَنْ جَاءَ حَاجًّا يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُشَفَّعُ فِيمَنْ دَعَا لَهُ» وَخَبَرُ «مَنْ قَضَى نُسُكَهُ وَسَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ الْحَاجَّ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، فَإِذَا وَقَفُوا بِعَرَفَاتٍ بَاهَى اللَّهُ بِهِمْ مَلَائِكَتَهُ يَقُولُ: اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي غَفَرْت ذُنُوبَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ قَطْرِ السَّمَاءِ وَرَمْلٍ عَالِجٍ، وَإِذَا رَمَى الْجِمَارَ لَمْ يَدْرِ أَحَدٌ مَالَهُ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا حَلَقَ شَعْرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَقَطَتْ مِنْ رَأْسِهِ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا قَضَى آخِرَ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» اهـ.

قَوْلُهُ: (قَصْدُ الْكَعْبَةِ إلَخْ) أَيْ مَعَ فِعْلِ أَفْعَالِ الْحَجِّ ع ش. فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَجَّ الشَّرْعِيَّ قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي وَإِنْ لَمْ يَأْتِي الْقَاصِدُ بِالْأَرْكَانِ. وَعِبَارَةُ م ر بَعْدَ قَوْلِهِ " قَصْدُ الْكَعْبَةِ إلَخْ ": وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّهُ نَفْسُ الْأَفْعَالِ، وَاسْتَدَلَّ بِخَبَرِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلْغَالِبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَصْدُ الْكَعْبَةِ إلَخْ، مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ يَكُونُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَزِيَادَةً وَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِي الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ عَرَفَةُ، لَكِنْ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ أَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةُ أَوْ سِتَّةُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ أَرْكَانٌ لِلْمَقْصُودِ لَا لِلْقَصْدِ الَّذِي هُوَ الْحَجُّ، فَتَسْمِيَتُهَا. أَرْكَانُ الْحَجِّ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ أَيْ أَرْكَانُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ الْأَفْعَالُ. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنْ قَوْلِهِمْ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ يَا حَاجُّ فُلَانٍ تَعْظِيمًا لَهُ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الْحُرْمَةُ لِأَنَّهُ كَذِبٌ،. فَإِنَّ مَعْنَى يَا حَاجُّ، يَا

<<  <  ج: ص:  >  >>